فيلم "أرواحنا في الليل"، إلى أي مدى تكون الوحدة في مرحلة متقدمة من العمر دافعًا لإعادة اكتشاف الحب والرفقة؟

ما أقسى الوحدة في كل مراحل العمر، ولكن عند تقدم السن تكون أشد قسوة، لأن كل مقومات الحياة الحافلة بالصحة والعافية، والرفقة من زوج وأبناء وأصدقاء ووظيفة ومال، تنسرب من بين الأيادي تاركة الفرد يصارع الفراغ والضعف الصحي وغيره، لذا يتوجب على الانسان أن يعي هذا مبكرا ليستثمر في شبابه لهذه المرحلة، ويحافظ على علاقاته الاجتماعية أن بقيت في الوجود، أو ينشأ أخرى جديدة تناسب مستجدات حياته.

لا أرى الوحدة هنا هي الدافع بل الحاجة والاستسلام، فقد نلجأ لمجالسة من لا نحبه أو نشعر معه بالراحة لمجرد أننا نشعر بالوحدة ونعجز عن تحمل الألم الخاص بها.

عن نفسي أشفق على هؤلاء في هذه السن، وخصوصاً من أصبحوا في أسر الوحدة برغبة من حولهم عندما قرروا التخلي عنهم.

لكن بالنسبة لفكرة أن تقدم السن لهذه المرحلة يكون دافع لاكتشاف الذات والعلاقات فلا أرى الفكرة صائبة ولكن أرى ذلك مجرد اضطرار فقط.

برأيي الحب في هذا العمر خاصة عند الشعور بالوحدة لا يكون مجرد مشاعر فقط، وإنما أراه وسيلة تعزز احساس الأفراد في ذلك العمر بالانتماء، فمن خلال الحب يجدون الدفء والأمان عندما يشاركون حياتهم بتفاصيلها الدقيقة مع شخص يشبههم ويجعل حياتهم أجمل بعد أن كانوا يعانون من الوحدة والمال.

في مراحل العمر المتقدمة، تنقض الوحدة كظلال ثقيلة، تلقي بثقلها على الروح، وتُجبر القلب على البحث عن معنى في الحياة رغم تراجع الأيام.

الأبحاث تشير إلى أن هذه الوحدة ليست مجرد حالة نفسية، بل هي بوابة لاضطرابات صحية خطيرة مثل القلق والاكتئاب وأمراض القلب والزهايمر.. ومع ذلك، فإن إعادة بناء الروابط الاجتماعية يمكن أن يكون بمثابة شفاء لتلك الجروح النفسية والجسدية. فقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يكتسبون دعما عاطفيا ويعيدون بناء علاقاتهم الاجتماعية في سن متقدم يتمتعون بصحة أفضل، ويشعرون بمعنى أكبر في حياتهم، وتتحسن حالتهم الصحية والنفسية بشكل كبير.

الدافع وراء إعادة اكتشاف الحب والرفقة في هذا السياق ليس فقط الحاجة الجسدية، بل أيضًا الحاجة العاطفية والنفسية للشعور بالاهتمام والقبول. الوحدة تجعلهما يدركان قيمة العلاقات الإنسانية وتعزز رغبتهما في بناء رابطة جديدة تمنحهما السعادة والراحة. وبشكل عام، الفيلم يؤكد على أن الحب والرفقة ليسا حكرًا على الشباب، بل هما احتياجات بشرية أساسية تظل قائمة طوال الحياة. وأن الوحدة في مراحل متقدمة من العمر يمكن أن تكون الدافع الذي يدفع الأشخاص للبحث عن هذه العلاقات القيمة وإعادة اكتشاف جوانب جديدة من أنفسهم من خلالها .. باختصار العمر مجرد رقم .. وكل يوم يمكن أن يحمل تجربة جديدة واكتشاف جديد لأنفسنا.

لاحظت على هامش تجربتك مع الفيلم، أن الأشخاص المتقدمين في العمر غالبًا ما يكونوا متقبلين أكثر للعلاقات الجديدة من الشباب، وهو أمر قد يبدو غريبًا بعض الشئ، كون الشباب في الأغلب أكثر اجتماعية، لكنهم أيضًا يفرصوا معايير وفلترة للعلاقات الجديدة وهو ما لا يفعله كبار السن، لا أدري إن كان ذلك لخبرتهم في العلاقات الإنسانية، أم قنوطهم من الوحدة مما يجعلهم مستعدين أكثر.