عادةً ما يكون الصراع بين شخصية وشخصيّة، لكن ماذا عن شخصيّة وحالة؟ حالة الوحدة؟ الوحدة القتّالة بالمعنى الحرفي للكلمة؟ أين تكمن حدود الوحدة وأين تنتهي؟ لا شك كُلّنا نعاني من الوحدة، من لم يعاني منها مرّة واحدة على الاقل في حياته، وكأيّ أنر سلبي لابد أن يحمل سلبيّاته وأعراضه الجانبية، وهُنا، أي في الفيلم أقصد وفي الحقيقة أيضاً الأعراض الجانبية للوحدة برأي الطب النفسي وطبعاً أنا مُتبنّي لهذا الرأي: الموت. 

تخيلوا معي مثلاً رجلٌ وحيد دون أي وجهة يصبو إليها، فيدفعه تخبطه، وحدته طبعاً، لأن يمتهن قيادة سيارة الأجرة ويقل ركابه إلى وجهتهم المحددة، إذ هو يتمنى الاقتراب من هذا الشعور بأية صورة محسوسة، ويبحث عن هدفه وسبب وجوده ولكن عبث، ككثير منّا الأن، ربما لم يمتهنوا المهنة ولكنّهم عرفوا الحالة وجرّبوها بجزءها الأصعب. 

أشّرت إلى هذا الفيلم اليوم ليس لإنّهُ تكلّم عن الوحدة فقط، بل لإنّهُ أسس لتطوّر شخصية تعاني منها، رسم لنا حدوداً نستطيع رؤيتها لما يُمكن أن تفعله هذه التجربة بنا، إلى التطرّف التي يمكن أن تصلُنا به، إلى أبعد نقاط التطرّف حرفياً، إلى القتل وربما إلى الانتحار، أن تُفني الوحدة نفسها! كل ذلك ينشأ بسبب نقص الحب في حياتنا، الشخص الذي يعاني من الوحدة قد يجد مسألة إنشاء أي علاقة إنسانية ذات معنى أمراً صعباً أو مستحيلاً. وغالباً ما يتملك الأشخاص الوحيدين حالة الفراغ الداخلي أو الجفاء، ويصاحبهما شعوري البعد والانعزال عن العالم.

ترافيس بطل الشخصية في الفيلم يقتل، يقتل ويُقتَل، يضرب ويُضرب، يحاول المشاركة في أي شيء، كمعظم الملتاثين منّا، فيُحب ويسيّس ويبيع ويوصّل ويمرح، لكن في النهاية يكتشف أن لا طريق من الطرق السابقة تناسبه، هو لا يعرف وجهته على أنّهُ السائق في الفيلم، يوصل الجميع ولا يصل. 

هل يُشبه بعضاً مما فيكم هذا الوصف؟ وهل تعتقدون مثلي أن العنف والجرائم أو الانتحار وإيذاء الذات هي النهايات الوحيدة للوحدة؟ والأهم من كل ذلك، هل لكم تجارب حقيقية مع الوحدة؟