التفكير الإيجابي المفرط لا يقل خطورة عن التفكير السلبي المفرط

التفكير الإيجابي ضروري لكنه يجب أن يخضع لقوانين الواقع الذي نعيش فيه، وأظن أن من يمارسه بالشكل المفرط الأن، بأنه مازال يعيش في زمن الطفولة البريئة، التي يرسم فيها تلك الأحلام الوردية، وأن العالم يفتح لك دراعيه لتحقق أحلامك، وأنك تستطيع بالمثابرة والدراسة بجد وكل تلك الكلمات الدافعة، نعم أتفق أن تلك الكلمات تنفع في مرحلة الطفولة التي تُبنى فيها الأُسس بعيدا عن ما نعيشه في الواقع الفعلي، وكثير منها تعطي ثمارها وتصنع جيلا تحدى الواقع وحقق مراده، لكن في مرحلة الشباب والوعي الكامل يجب قياس الأمر من نواحي عديدة ووضع أهداف وطموح مناسب للواقع، مناسب لما نعيش فيه وليس منفصلا عنه، الطموح جميل إذا حسن تخطيطه.

أتعلمين؟ هناك نصيحة دائمًا ما أسمعها، وهي تخيل نفسك حققت كل ما تريد ومعك كل الإمكانات المطلوبة وخذ وقتك في تخيل هذا الأمر حتى يترسخ في دماغك، وبعد ذلك قم بالتصرف كما لو كنت هذا الشخص الآن (Fake it till you make it)، والأمر المرغوب هو أن المخ يصدق هذا الأمر ويُنتج أفكارًا بناءً على هذا الأمر، ولكني غير مقتنعة بهذا المفهوم بنسبة كبيرة، لأنه وبعد الرجوع للواقع، سنجد ان التوتر والأرق المصاحب لعملية الإرهاق الذهني أو تسلسلات الأفكار السلبية لا يزال قائمًا، وسنضطر هنا للمماطلة وتجنب الواقع وعيش الوهم، لكن على النقيض أرى أن الصورة الذهنية للشخص عن نفسه قد تساعده جدًا في حل مشكلاته الواقعية، بمعنى أنني مثلًا أصدق أنني شخصية ناجحة، لذلك أنماط سلوكياتي ستكون تابعة لهذا الهدف مهما كانت الصعوبات والإحباطات.

وقد تصبح وسيلة للهروب من مواجهة الحقائق الصعبة واتخاذ القرارات الصائبة.

وبالتالي لا يتحمل مسئولياته، ولا يتخذ خطوات فعالة لحل المشكلات التي تواجهه فهو لا يعترف بها أساسًا. كما ان إيجابيته المفرطة قد تمنعه من إظهار التعاطف مع مشكلات الآخرين مما يبعدهم عنه وربما يعيش منعزلًا.

أيضًا قد تتراكم بداخله المشاعر السلبية التي يحاول إخفائها على المدى الطويل مما يعرضه لمشكلات نفسية.

التفكير الإيجابي لا يكون إيجابيًا من الأساس إلا إذا كان مصحوبًا بأفعال عملية إيجابية متصلة بأرض الواقع، يعني الإجابية لا تتعلق بالتفكير في حد ذاته، بل يجب أن يقترن هذا بفعل حتى لو كان هذا الفعل ينعكس على السلوكيات ونحو ذلك، وإلا فهو مجرد أحلامًا لا طائل من وراءها، وقد تصل المبالغة فيه إلى حد التحليق مع أحلام ليست في يدنا أساسًا، يعني أذكر صديقة لي كانت تقول أنها تحب جدًا أن تتخيل أنها تفعل كذا وكذا، وتؤكد بنفسها على أن ما تفكر فيه ليس واقعيًا من الأساس برغم إيجابيته، يعني تفكر لمجرد أن التفكير إيجابي بالنسبة لها وفقط، يعني أعتقد أنها لو صرفت طاقتها في التفكير الإيجابي في التخطيط لأمور منطقية يمكن تطبيقها لاستفادت من هذا التفكير في تحقيق تطوير على أرض الواقع، فربما ما تعتقد أنه إنجازًا محدودًا لا يستحق التفكير فيه، يتطور وينمو إذا ما ركزنا في التخطيط له، ليصبح إنجازا لم نكن نتخيله.

هناك مصطلح أحبه جداً اسمه: الإيجابية السامة. وأنا متأكد مئة بالمئة بالمراقبة بأنه له علاقة وثيقة بالتفكير الزائد، يشبهه تماماً، يعني عندي الإيجابية السامة والتفكير الزائد وجهان لعملة واحدة فعلاً، لإنه برأيي كلاهما ينبع من الرغبة في السيطرة على عواطفنا ومواقفنا وسلوكياتنا بشكل مَرضي، تمنعنا الإيجابية السامة والتفكير الزائد من أن نعترف بالمشاعر الصعبة والتعامل معها بطريقة صحيّة فعلاً، قد تكون الإيجابية السامة رد فعل على الإفراط في التفكير وطريقة لإيقاف الأفكار السلبية ولكن هذا في نهاية المطاف يضرّنا كثيراً.

يمكن أن ينبع الإفراط في التفكير من الخوف من الإفراط في الإيجابية والظهور بمظهر الشخص الذي يغتر بنفسه أو يفرح على أمور غير منطقية بعد ولكن هذا الاقتران لفترة طويلة من المواقف يؤدي إلى اجترار المشكلات والتعب النفسي في نهاية المطاف.

كل شيء يزداد عن حده يتحول بالضرورة إلى ضده، فالافراط في التفاؤل يؤدي إلى عدم قدرة الفرد على الانتباه للمخاطر المحيطة به، وعدم سعيه إلى طلب المساعدة لأنه لا يرى الأمور على حقيقتها بل يتوقع إيجابية النتائج في جميع المواقف التي يمر بها، كما أنه في النهاية لا يتمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة والاستعداد للطوارئ بالاجراءات الوقائية اللازمة.