منذ عدة أيام طرحت سؤالًا بعنوان "ماذا تفعلون حينما تتراكم الأمور المحزنة بداخلكم؟" وجذب انتباهي تعليق لهدى @huda_khashan19 تشير من خلاله بأن التسوق يفيدها أحيانًا للتغلب على الأحزان. وأثناء اتصالي مع إحدى صديقاتي ناقشنا التسوق وعلاقته بسعادة الإنسان، فأخبرتني أن التسوق يعد كالصديق المقرب لها حينما تشعر بالوحدة، فهل حقًا يساعدنا التسوق في التخفيف من شعورنا بالحزن و الوحدة؟
هل يساعدكم التسوق في التخفيف من شعوركم بالوحدة؟
الصراحة الأمر هذا يرجع للشخص، وأنا اعتبر التسوق سبب من مسببات الحزن والتعب بالنسبة لي ولا أخرج إلا للضروريات وإذا وجدت من يقضي لي أموري أتركها لغيري.
الاستجمام في المناطق الطبيعية وخاصة البحر هي أكثر طريقة تمكنني من الخروج من الحزن لكنها ليس دائما متوفرة وصعب وجود أماكن هادئة تسمح لك بالتنفيس عما بداخلك.
هناك أبحاث كثيرة بعلم النفس واستطلاعات رأي تؤكد أن التسوق يسبب حالة مزاجية جيدة جدا، وقد تصل للشعور بالنشوة التي يشعر بها المدمنين، الفيصل هنا ألا نفرط بالتسوق فيتبع الحالة النفسية الجيدة ندم كبير على إنفاق المال بمبالغ ضخمة مثلا، وقد يكون الشخص بحاجة لهذا المال، لذا ولأني أحب التسوق، فعادة ما أضع ميزانية قبل الذهاب للتسوق ويجب على الالتزام بها قدر الإمكان، لأن حتى لو كان التسوق يشعرنا بالسعادة فهو شعور زائل مهما طال وسيظل الندم الناتج عن التبزير.
التسوق يساهم في إعادة شعور الإنسان بالسيطرة على حياته، لأننا وسط الضغط الذي نعيشه نشعر أن حياتنا خارج سيطرتنا.
وقد أثبتت ذلك عدة دراسات منها دراسة أجريت عام 2014 من مجلة consumer psychology.
وفي دراسة أخرى من جامعة ميشغن أثبتت أن شراء الأشياء التي نحبها شخصيا يكون أكثر فاعليا بما يصل إلى أربعين مرة في إعطائنا إحساسا بالإنجاز والسيطرة والمتعة.
وأثبتت أن الأشخاص الذين يشترون أقل حزنا بثلاث مرات من أولئك الذين يتصفحون فقط، وأخيرا عرفت لماذا يجعلني الذهاب إلى الأسواق وأنا مفلسة أكثر حزنا .
ربما لهذا السبب ينصح أطباء النفس مرضاهم بشراء أشياء يحبونها، حين يشعرون أن حياتهم لا تسير على ما يرام .
فهل حقًا يساعدنا التسوق في التخفيف من شعورنا بالحزن و الوحدة؟
نعم ويسمى علمياً Retail therapy أو العلاج بالتسوق، وأذكر أن ردة فعلي عندما درست عن هذا الأمر في المدرسة لأول مرة مشابهة لردة فعلك حتى أنني تساءلت حينها : هل فعلاً يستخدم التسوق كعلاج ؟
وربما هذا يفسر حبنا نحن النساء وتعلقنا بالتسوق حيث أنه يشعرنا بالراحة ويحسن مزاجنا بعد يوم مليء بالضغوطات والتقلبات العاطفية، وأحياناً قد يتطور الأمر لدى بعض الأشخاص ليصل إلى الإدمان أو ما يعرف بــ Shopaholic أو مدمني التسوق .
إذاً كيف يساعدنا التسوق على التحسن ؟
- يعيد لك الشعور بالسيطرة، فغالباً ما يرتبط الحزن بشعورك بعدم القدرة على التحكم في ما تواجهه في حياتك لذلك يعيد لك التسوق والحرية في اختيار المنتجات شعورك بالسيطرة مجدداً .
- يجلب لك السعادة، عملية استعراض البضائع والتجول في السوق عملية ممتعة تساهم في إعطائك دفعة عاطفية من خلال تحفيز الدوبامين في الدماغ فتشعر بالرضا والمكافأة .
- عامل إلهاء، أثناء التسوق تصبح مشكلتك الكبرى هي إيجاد مقاسك ولونك المفضل، أين اختفت كل مشاكلنا ؟
- المزيد من التفاعل الإجتماعي، الذهاب إلى التسوق والإختلاط بالآخرين حتى وإن كنت وحيداً يمنحك شعوراً أفضل وصلة بالآخرين .
طبعاً لابد من تنظيم هذه العملية حتى لا تتطور إلى إدمان يجلب معه تأثيرات سلبية قد تكون أشد ضرراً من الحالة المزاجية السيئة المؤقتة، وقد تستمر لمدة أطول كشراء الكثير من المنتجات التي لا فائدة منها، تراكم الديون، والهلع في حالة عدم توفر مبالغ كافية للقيام بالتسوق .
بالنسبة لي فالتسوق ينجح دائمًا في تغيير حالتي المزاجية لحالة أفضل وأكثر سعادة وهدوء، ولكن هذا ينحصر فقط في التسوق الخاص بمساحيق التجميل والحلي والملابس أما غير ذلك فيكون عبئَا
ويرجع ذلك كما أعتقد أنني أستطيع من خلاله سد ثغرات موجودة في خزانة ملابسي أو مقتنياتي، ويبدو أن هذا هو السبب وراء السعادة فهو يعوض أي شعور بالإحباط قد يكون ناتج بسبب أمور أخرى غير مكتملة، لكنها سعادة مؤقتة وقصيرة جدًا
لقد دهشت من دراسة تتحدث على ان المجتمعات تزدهر فيها عملية التسوق في الأوقات التي يعانون فيها من أزمات عميقة، ولكن هذا التسوق لمن بمفهوم ارتفاع قيمة البيع والشراء، وإنما عملية تفريغ يقوم بها الافراد في الوقت الذي تغرق أدمغتهم بكثير من التفكير، أي أن لدى الشخص المهموم او الحزين أولويات تغرقه في غالب الأمر دون القدرة على الفكاك منها، فيلجأ للبحث عن الحلول او الهروب منها.
لذا تعتبر الاسواق المكان الأكثر ازدحاما بالهاربين من مشاكلهم وأحزانهم، ولكنه ليس المكان الأكثر حركة في البيع والشراء والاستثمار. وكذلك من يشعرون بالوحدة او الانعزال او التهميش يجدون ضالتهم في عمليات التسوق وفي الغالب دون تحديد مسبق لما يحتاجونه وهنا اشبه عمليه التسوق بحالات مرضية يعمد المريض لتناول كميات كبيرة من الطعام دون الوقوع تحت تأثير الجوع ولكنها حالة مرضية تنتهي بعملية من القيء الشديد وبالغالب هؤلاء المرضى مصابون بالنحولة؟
ان عملية التسوق لمن يعانون الوحدة والانعزال والأحزان يمكن اعادة توجيها من خلال برمجتهم لعملية تسوق ايجابية وعملية جذب لهم من خلال الأبحاث التسويقية مثل بيع نوع معين من العطور او الوان معينة من الملابس او قطع من الخواتم والقلائد وغيرها تعمل على اشباع رغبات الشخص المتألم أو الحزين وربما يشعر بالمكافأة وهذا يعني القدرة على تغيير توجه الدماغ من حالة التشرد الفكري والذهني الى حالة من الاستقطاب للتسوق يناسب الحالة النفسية التي يعبر بها.
وشخصيا امارس احيانا عملية التسوق في الوقت الذي تسيطر عليَّ مشاعر من الحزن او الألم، ولكن في الغالب تكون عملية التسوق لمجرد التفريغ النفسي والتعمق اكثر في التفكير في نفس الحالة المسيطرة عليَّ! فهل هذا التسوق يعتبر حالة سلبية ام حالة طبيعية تمرون بها مثلي؟
فهل حقًا يساعدنا التسوق في التخفيف من شعورنا بالحزن و الوحدة؟
توجد دراسة تمت منذ مدة تفيد بأن التسوق له مزايا صحية تتلخص تلك المزايا في الشعور بالسعادة، فالذي يقوم بشراء أشياء جديدة يكون سعيدا أكثر ثلاث مرات من الإنسان الذي لا يفعل ذلك حسب الدراسة.
كما أن التسوق يجعل الإنسان يختلط بالكثير من الناس، ويتعامل مع مختلف الطبقات، من السائق الذي يقله إلى عامل المحل ومع المتسوقين الآخرين.
ما يصدمني في معظم الأوقات هو نظرة الآخرين لمفهوم التسوّق، فبالنسبة إليّ، لا أستطيع أن أتعامل مع التسوّق شخصيًا من هذه الزاوية، فأنا لا أتفهّم معناه، ولا أقصد بذلك أنني لا أتسوّق. لكنني في المقابل لا أستطيع أن أتسوّق لمجرّد التسوّق، وإنما أعني بهذا أنني أتسوّق لغرض معيّن، وهذا الغرض يحتّم عليّ التعامل مع التسوّق كنشاط له غرض، أي أنني في حاجة إلى شراء شيء معيّن، أو العمل على الحصول على سلعة ما أحتاجها. لكن التعامل مع التسوّق كمفهوم مجرّد غرضه هو التسوّق نفسه أعتبره دائمًا شيء غير مفهوم على الإطلاق، فلماذا يتعامل معظمنا معه كمفهوم مجرّد؟
التعليقات