طرحتُ هنا العديد من الأفكار التي تناقش الطرق المثلى للتخلص من الوحدة. لكن لا يمكننا أن ننكر أنها كوضع نفسي ومادي تنفرض علينا في العديد من الأحيان، لذلك أسعى إلى طرح التساؤل من زاوية أخرى أكثر إيجابيةً:
في أشد الأوقات ظلمةً، كيف يمكننا الاستفادة من الوحدة؟
الوحدة وإن كانت ممقوتة من بعض الأشخاص، وغير مرحب باقتحامها حياة أشخاص آخرين، إلا أني أفضلها أحيانًا. أشعر وكأنها تجعلني أركز على نفسي وأفكر في نقاط ضعفي وقوتي وفي العديد من المواقف التي حزنت أو فرحت فيها. أعد نفسي خليطًا من الوحدة والاجتماعية في آن واحد، فلا الوحدة تتسبب لي في الانطوائية والانعزال عن الناس لفترات طويلة، وكذلك لا أميل للأنشطة الاجتماعية التي تخالف مبادئي وثقافتي. أما عن سؤالك حول كيفية الاستفادة من الوحدة، فلدي بعض الأمور التي أقوم بها في أوقات وحدتي:
أنا أيضًا من عشاق الوحدة، وعلى سبيل المثال على شعوري تجاهها، أغرم بمقولة الفيلسوف الكبير شوبينهاور عندما قال:
المرء لا يمكنه أن يكون نفسه إلا حين يكون وحيدا.
هذا هو شعوري بالتحديد تجاه الوحدة. لكن لا يمكننا أن ننكر يا شيماء أنها في بعض الأحيان تكون مفروضة علينا نظرًا لقدرتنا على عدم مواجهة الواقع الخارجي، أو رغبتنا في الاستسلام لمشاعر الاكتئاب، وفي هذه الوضعية لا يمكننا أن نعزو المشاعر الجيدة لها، وبالتالي أتبع الآلية التي تتبعينها، بأن أحولها إلى وقود فكري مفيد، من خلال القراءة والكتابة والأنشطة الفردية، حيث شعر أنني أخيرًا أمام نفسي.
في اشد الاوقات ظلمة يمكننا الاستفادة من الوحدة عن طريق تفجير طاقتنا ومهارتنا الابداعية كل حسب هوايته وعشقه. فكثير من الفنانين سواء كانو رسامين نحاتين او غيرهم لايستطيعون ممارسة انشطتهم الا مع الخلوة والتوحد مع الطبيعة الصامتة. وفريق آخر من المبدعين امثال الشعراء والكتاب ينزل عليهم وحي الايحاء في خلواتهم. وهناك فريق العباد والزهاد يفضلون الوحدة والخلوة لممارسة انشطتهم التفكرية والدينية.
حقيقة نحن لانستمتع بجمال الصمت والهدوء مع كل هذه المظاهر الترفية من الاجهزة والالات والمدنية العصرية.
وهناك بعض الناس حول العالم يقتطعون بعض الوقت يقضونه مع انفسهم في رحلات برية استكشافية والتخييم بين الطبيعة اما نهر او جدول الماء وهناك من يمارس رياضات من ضمنها تسلق الجبال او غوص البحار طلبا للهدؤ والوحدة التى تمكنهم من التوحد مع الطبيعة الساحرة.
في أشد الأوقات ظلمةً، كيف يمكننا الاستفادة من الوحدة؟
أنا أفرق بين الوحدة والخلوة، فالإنسان الوحيد قد يشعر بتلك الوحدة وإن كان في حشد من الناس، أما صاحب الخلوة فهو في أنس دائما وإن لم يكن معه شئ.
الخلوة كلها فوائد، بل جعلت لنيل الفوائد، أما الوحدة فشعور صعب يفتك بالنفس، لكن سؤالك جميل جدا يجعلنا ننظر إلى نصف الكوب المملوء ويمكننا الاستفادة من الوحدة بالوقوف على الأسباب التي آلت بنا إلى ذلك والعمل على حلها حتى نكون كالعنقاء التي تبعث من الرماد.
العمل على تحسين صفاتنا وتدارك أخطائنا فنحن بالنهاية بشر نخطئ ونصيب في حق غيرنا وفي حقنا.
تشبيه العنقاء التي تخرج من الرماد هو التشبيه الأنسب في رأيي يا محمود. إنها مسألة استشفاء فعلًا، وعلينا أن نستغلّها أفضل استغلال من أجل الحصول على أحسن النتائج.
في هذا الصدد، أجد أن لفظة الخلوة نفسها تمتلك من المعنى ما قد يكون أقرب لما أردت التعبير عنه، لأنها تتميّز بالسلوك والنشاط. لكن من داخل الموقف نفسه، فقد قصدتُ الوحدة نفسها، الوحدة التي نجد أنفسنا أمامها ومرغمين عليها. بعض الأشخاص يتسبب هذا لهم في العديد من المشاعر الصادمة والسيّئة، لكنني أرى أن هدوءنا في هذا الوضع واستسلامنا لما قد يكون مفيدًا ونافعًا في تجربته سوف يعود علينا بالنتيجة الأفضل وبإعادة الحسابات التي تعدّل موازيننا مستقبلًا منذ هذه اللحظة.
هذا يعتمد على شخصية الفرد نفسه وماذا تعادل له الوحدة، فالانطوائيين سيجدوا أن الوحدة طريقة وسيلة مثالية لممارسة كافة المهارات والهوايات الشخصية، وممارسة التأمل، والتعبد والروحانيات المختلفة، لن يصعب عليهم ايجاد فوائد ولمسها من خلال الوحدة.
لكن مع الأشخاص الاجتماعيين هذا هو التحدي فعليا، وأنا منهم، ولكي تكون الوحدة بالنسبة لي وقت ممتع وليس سيئا أمارس الهوايات التي أحبها ويمكنني فعلها بمفردي، مثل القراءة، الذهاب للتسوق، الذهاب لمطعمي المفضل.
تعلم مهارة معينة لأن التعلم بالنسبة لي من الأشياء التي تطلب التفرغ والجو الهادىء،
في إطار التأمّل، كانت لي مجموعة من التجارب البسيطة كمبتدئ، وعلى الرغم من أنني من هواة التجربة، وأن تجربتي في هذا الصدد لم تكن سيّئة، فأنا لم أحصل على تجربة احترافية في هذا الأمر بعد.
لذلك أود أن أسألك يا نورا: ما هو التأمل ورياضته بالنسبة إليك؟ وما هي أبرز الآليات التي يمكنني اتباعها للعمل على توسيع معرفتي حول رياضة التأمّل وممارستها يوميًّا؟
ربما لأنني أميل إلى الوحدة قد يكون الأمر سهل عليّ في الاستفادة من وحدتي وغزلتي، لكن الأمر سيكون صعبًا على الشخص الاجتماعي. لهذا من الأفضل أن تكون فترة العزلة مؤقتة ولمدة معينة وإلا سينتابه هذا الشخص التذمر والاكتئاب.
عمومًا عندما أكون لوحدي، أشعر بذاتي وقيمتي، من أنا، ما هي أفكاري، حيث أستمع إليها بصمت، ما هي معتقداتي في هذه الحياة. ربما أيضًا أفكر في بعض الأمور والمواضيع التي تشغل حياتي من منظور آخر، بعيدًا عن التدخلات والتأثير على أفكاري والذي يأتي من قبل البعض، فتجدهم يفرضون علينا أفكارهم ومعتقداتهم. هناك مساحة للتفكير بشكل عقلاني ومنطقي وبهدوء.
ربما الوحدة ستمسح بتدفق الافكار الابداعية إلى ذهني. ناهيك بأنني أراجع بعض القرارات التي أتخذتها في حياتي. أيضًا مراجعة علاقتي مع الاخرين سواء أقارب، أصدقاء أو زملاء عمل.
ناهيك بأن العيش في عزلة، قد تجعل الشخص ينمي مواهبه وهواياته، فهناك من يقرأ، وهناك من يكتب وثمة من يمارس الرياضة والتأمل والاخر يتعلم مهارة ما. وهكذا.
لم أعد ممّن يفضّلون هذه النوعية من الوحدة للأسف يا هدى على صعيد مراجعة القرارات. في الآونة الأخيرة بدأتُ أحبّذ مراجعة قراراتي أثناء العمل والنهار الشاق الممتلئ بالجهد. أمّا بالنسبة لوحدتي الانعزالية، فإن مراجعة القرارات ومحاسبة نفسي تتحول من آلية تصحيح إلى آلية تدمير ذاتي، حيث أفقد كل الشغف المتعلق بتصحيح أخطائي، وأستشعر شعورًا بالذنب ليس من ورائه أي طائل، لهذا قد أختلف معكِ في هذا الصدد لأن شخصيتي أثناء الانعزال ليست مناسبة لأيٍّ من هذا.
فإن مراجعة القرارات ومحاسبة نفسي تتحول من آلية تصحيح إلى آلية تدمير ذاتي،
لا مشكلة في أن نحاسب أنفسنا على الاخطاء التي ارتكبناها، وإلا سنكرر الخطأ في اتخاذ قرارات أخرى. أحيانًا نحتاج إلى الجلوس بيننا وبين أنفسنا، ومعرفة ماذا فعلنا في حياتنا، أين أخطأنا وأين أصبنا بالتأكيد لا أقصد أن نجلد ذاتنا أو أن نصل إلى الشعور بالذنب القاتل، فالأمر مختلف هنا تمامًا.
سؤالك ممتاز يا علي، خاصة أنني شخص أبحث عن الوحدة حاليا وخاصة فصل الصيف والزيارات والعطل لا يتسنى لي وقت لوحدي وهذا متعب.
الوحدة تعني لي الهدوء التفكير العميق والسكون وهي بشكل عام نعيم الأشخاص الإنطوائيين، وهي أفضل من الاختلاط والتفاعل مع الآخرين.
وقد أفردت لذلك سوزان كين كتابها الهدوء لتطرح فيه الجانب المشرق للإنطوائية والوحدة وكيف يساهم ذلك في الإبداع والإنجاز.
بالرغم من أن الإنسان كائناً اجتماعياً، إلاّ أنه يحتاج أحياناً لمدة من الوقت يجلس فيها بمفرده.
يتأمل حاله وحياته، ما فعله وما لم يفعله وما ينبغي عليه فعله وما يحبذ أن يقلع عنه إلى الأبد، حيث يراجع أخطائه ويسعى لتلاشيها.
فحاجة الإنسان للوحدة في أوقات معينة لا تقل عن حاجته للأصدقاء من حوله.
تفيدني الوحدة كثيراً في ممارسة هواياتي، حيث لا أشعر بالوقت وهو يمضي، بل لا أشعر أنني وحيداً أصلاً.
وكذلك تفيدني في تطوير نفسي في المجال الذي أحب بعيداً عن صخب الناس. وخاصة بالليل.
كذلك تفيد الوحدة بأنها تتيح للفرد أن يقترب من نفسه ولو كانت الحياة كلها اجتماعات ونزهات سيفتقد الإنسان الصلة بنفسه. اتذكر مقولة تقول
"لا يهتدي الإنسان لنفسه ولا يسمعها إلاّ في أشد الأوقات هدوئا"
أود أن أنوّه إلى النقطة التي ذكرتها يا صديقي فيما يخص التطور الذاتي. أنا من المؤمنين بالتأكيد بالعمل في فريق، والتعامل مع مهاراتنا بجدّية وانتشار، مما يوجب علينا أن نشارك الأفكار والتجارب مع الآخرين، وخوض الخبرات معهم أيضًا. لكن هذا لا ينفي أهمية العزلة والوحدة في هذا الصدد، حيث أن الانعزال شيء لازم للغاية لإتقان أي شيء، حتى وإن كان في سياق أوقات معيّنة فقط وليس طيلة الوقت، لذلك فأنا أعزو إليه العديد من المهارات التي ندرّب أنفسنا عليها. لا بد من فترة انعزال لإتقان شيءٍ ما.
العمل في فريق مثري ومطور لأكبر حد ممكن، ولكن للتأكيد على ما تعلمناه من بعضنا لا بد أن يخضع الفرد لإمتحان يضعه هو لنفسه دون مساعدة من أحد، وهنا تكمن إحدى فوائد العزلة لبعض الوقت، فإذا تعلم الفرد مهارة جديدة مثلاً من خلال مجموعة من أصدقائه هل يظل الأمر متوقفا على ذلك، بالطبع لا بل لن تكتمل عملية التعلم ولن يتمكن المتعلم من معرفة ما تعلمه إلا من خلال التجربة الفردية التي يخضع لها بنفسه دون مشاركة من أحد.
التعليقات