عندما تسمع عن خمسات لأول مرة، قد تعتقد أنها منصة لخدمات صغيرة لا تتجاوز أسعارها بضعة دولارات، وكأنها مجرد مكان لعروض «الصفقات الرخيصة». هذا افتراض سمعته أكثر من مرة خلال مسيرتي، حيث يظن البعض أن الخدمات هنا لا تناسب المتمرسين أو الباحثين عن فرص كبيرة. لكن في الحقيقة، هذا التصور بعيد كل البعد عن الواقع!

لا يتسع المجال لسرد تجارب شخصية عدة لا شك عندي أنها ستغير نظرتك كلياً، وستُشعل بداخلك شرارة حماسة لا تنطفئ! لهذا سأكتفي بالحديث عن آخر تجربة فريدة خضتها مؤخراً مع أحد صنّاع المحتوى بالوطن العربي.

حوالي منتصف شهر أيلول الماضي، راسلني عميل بوصفه مدرباً واستشارياً وصانع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف التفاوض حول إمكانية مساعدته بكتابة سكربتات فيديوهات قصيرة. كان يعلم أن أسعاري مرتفعة مقارنة بآخرين، لكنه اختارني تحديداً، دون أن يذكر الأسباب بالكامل، لكنني أستطيع تخمين بعضها. أحد أبرز ما ذكره في رسالته، والذي ترك أثراً عميقاً، كان: «شخصيّاً أنت الأغلى، ولكن أنا أحترم الذي يقدر نفسه، وأنت تستحق تبعاً لما قرأته حول سيرتك الذاتية».

بعد تشاور، وتفاوض، ومناورات عسكرية من الطرفين، توصلنا لاتفاق نهائي. تفاصيل ما جرى بيني وبين العميل حتى اقتنع بالنهاية متشعبة نسبياً وتنطوي على استراتيجيات معينة لتنجح بعملية الإقناع، لا يتسع المجال لذكرها جميعاً كتابيّاً. مع ذلك، سأحدثك في الفقرات القادمة عن بعض أساليب الجذب، والإقناع، وضمان استمرارية تعامل العميل معك.

قبل أن أكمل الحديث، أود إثارة حماستك بذكر إجمالي الأرباح التي حققتها في الفترة بين منتصف شهر سبتمبر وأوائل نوفمبر، وهي (550) دولاراً. كانت قيمة خدمتي وقت شرائها (25) دولاراً، ثم رفعت السعر إلى (50) دولاراً لأسباب استراتيجية عدة، مع الحفاظ على نفس الاتفاق مع العميل الذي قرر الاستمرار بطلب الخدمة.

بدأت سلسلة أعمال مع العميل، وكانت تجربة رائعة حقّاً، اكتسبت خلالها خبرة أكبر بمجال كتابة سكربتات مؤثرة لإنستغرام وتيكتوك، وجربت أساليب كتابة جديدة تلامس جمهور تلك المنصات أكثر. كما اختبرت مدى إقبال الناس، حيث قدّم العميل بصوته وأدائه عدة سكربتات كتبتها له، ورصدنا النتائج معاً، ما عزز اقتناعه بالخدمة، وأدى إلى مزيد من الطلبات.

تنوعت الموضوعات المطلوبة، وبعضها لم يكن سهلاً للأمانة، لكنني قبلت التحدي ونجحت. كنت أتقبل ملاحظات العميل خصوصاً بالبدايات، ومع استمرار العمل بدأت الملاحظات تقلّ والإعجاب يزيد. تعلمت خلال هذه التجربة أكثر من أي وقت مضى أن الدبلوماسية، والصبر الجميل، والإصرار على إثبات الذات، هي مفاتيح لتعاون أطول.

كان العميل يشيد بالجودة دوماً، رغم اعترافه بأن رسوم الخدمة مرتفعة مقارنة بمنافسيّ. وفي إحدى المرات، رددت عليه بشكل ودي: «الكتابة والترجمة مهنتان مظلومتان بعالمنا العربي، ورسوم الخدمة تبدو مرتفعة لكن يفترض أن تكون أعلى من ذلك، لأنني بذلت عمري وأنا أدرس وأقرأ وأكتب». فما كان من العميل إلا أن أشاد باحترامي لعملي وقيمته!

نقطة مهمة أود ذكرها أيضاً، وهي أنني شجعت العميل على تكرار طلب الخدمة بتقديم خصم خاص له. لكن حتى مع الخصم، ظل سعر خدمتي مرتفعاً بنظره، مقارنة بأسعار المنافسين. مع ذلك، استمر بالتعاون معي مرة تلو أخرى، وأكد ذات مرة أنه حاول شراء الخدمة من آخرين، لكنه لم يجد عندهم ما وجده عندي، لهذا استقرّ على العمل معي!

ربما تستنتج أن جودة العمل أساس نجاح تجربتي السابقة، لكن بالواقع لم تقتصر الخدمة على كتابة السكربتات فحسب، بل شملت أشياء كثيرة منها: التواصل السريع، وأسلوب الحوار الودود، وتوجيه الملاحظات البناءة للعميل (أمر يتجنبه معظم البائعين خشية أن يفقدوا العملاء)، ومحاكاة أسلوبه بالتواصل (مهارة نفسية مهمة للغاية، عليك تعلمها).

لنعد الآن إلى عنوان المقال، لربط الفكرة بالأرباح. لنفترض أن رسوم خدمتي هي (5) دولارات، وكل مرة يأتيني عميل جديد ليشتري طلباً واحداً فقط، فكم عميلاً أحتاج لتحقيق (550) دولاراً. أحتاج يا صديقي إلى (110) عميلاً.

تخيل معي الوقت والجهد الذي ستحتاجه لبيع خدمتك إلى هذا العدد الكبير من العملاء! حقيقة الأمر، ستحتاج إلى شهور وربما سنوات من العمل المضني، مع نسبة خطورة عالية مرتبطة بمسألة تقييم الخدمة. فهناك قاعدة من تأليفي مسروقة من تجارب الواقع، تقول: «كلما انخفض سعر خدمتك، زادت احتمالية تعرّضك للتقييمات السلبية». بينما حققت هذه الأرباح بأقل من شهرين، وأنا أعمل بنفس الوقت على مشاريع مهنية وشخصية أخرى بكل أريحية بحمد الله!

لا أقول إن عليك رفع رسومك، لكنني أشاركك تجربة شخصية مختلفة عن التجارب المعتادة. لكل استراتيجية تسعير نقاط قوة وضعف، لكن الرسوم المرتفعة، أو لنقل الرسوم التي ترى أنك تستحقها لقاء خبرتك وجودة عملك، تعطيك ميزات مختلفة، من بينها أنك كلما رفعت رسومك بما يتناسب مع الجودة والجهد، ضيّقت الباب على التقييمات السلبية، وفتحت أمامك فرص التعاون مع عملاء ذوي قدرة شرائية أعلى، يمكن لعميل واحد منهم أن يعوّضك عن عشرات العملاء الآخرين.

قد تحتاج إلى وقت طويل نسبيّاً لجذب عملاء يقدّرون رسومك المرتفعة، لكن عندما يأتي العميل المناسب، ستجني ثمار جهودك. ولن تكون هذه الفترة التي قمت خلالها بتطوير مهاراتك وملفك الشخصي ضائعة، بل ستكون أساساً لنجاح مستدام.

لا تستغرب إذا شاهدت رسوم خدماتي تنخفض أو ترتفع بين الفينة والأخرى، فكل فترة أغيّر استراتيجيات التسعير والتسويق لجذب عملاء مختلفين، ولأسباب أخرى سرّية لا أستطيع الإفصاح عنها إلا عن طريق خدمة مخصصة أقدمها عبر زوم. لكن بعد تجربتي الأخيرة بمنصة خمسات، أظن من الصعب العودة إلى الأسعار المنخفضة إلا لأسباب خاصة جدّاً.

منذ سنوات وحتى اليوم، كلما جاءني عميل يقدّر العمل حق قدره، شعرت أن منصة خمسات أشبه بصندوق ذهب مغلق، لا ينعم بخيراته إلا من يمتلك المفتاح المناسب. هذا الصندوق مليء بالفرص القيمة، لكن الوصول إليها يتطلب أكثر من مجرد بحث عشوائي؛ تحتاج إلى استراتيجيات ذكية، كما لو أنك تخوض رحلة مثيرة داخل جزيرة الكنز. هذه الجزيرة ليست مجرد مكان عادي؛ بل مليئة بالتحديات، ومن ينجح في تخطيها هو من سيجد المفتاح الذي يفتح أبواب الذهب.

ترى هل استطعتُ إشعال شرارة الحماسة داخلك؟ وهل أنت مستعد الآن لتحويل تلك الحماسة إلى عمل حقيقي؟