موضوع طويل أعلم! لكن إن لم تكن مستعداً لبذل بعض الجهد في سبيل الاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم، فكيف ستعزز عقلية النجاح لديك؟! ربما معلومة واحدة بسيطة بين ثنايا هذا المقال تفتح ذهنك على أفكار وأشياء لم تكن بالحسبان، خصوصاً إذا كنت بائعاً جديداً تود تحقيق الربح من موقع خمسات للخدمات المصغرة. فلا تحرم نفسك فائدة أكيدة، ومتعة معرفة بعض الأسرار حولي وحول بعض البائعين في المنصة.

أحكام متسرعة بعيداً عن الحقيقة:

يبدأ الموضوع بتساؤلات مثيرة من قبيل: «كيف وألف كيف أصبحَ بائعاً موثوقاً (أعلى رتبة في خمسات)، بينما بيعت خدماته مرات محدودة؟!». تتردد مثل هذه الأسئلة في أذهان الكثيرين، معتقدين أن الحظ هو مفتاح النجاح، كما يقول المثل الشعبي: «اللي ما له حظ، لا يتعب ولا يشقى». ولكن هل هذا الاعتقاد صحيح؟ وهل تكفي نظرة سطحية لتقييم نجاح الشخص من عدمه؟

هيا نكشف الستار عن بعض الحقائق المذهلة والأشياء الخفية التي لا يعلمها الكثيرون عن بعض بائعي المنصة، ودعني أقدم نفسي كمثال حي ضمن هذا الموضوع المفيد (كما أرجو)، فلدي قصة تنبض بالتحديات والانتصارات الصامتة.

خبر الترقية إلى بائع موثوق:

ذات يوم، استيقظت على نبأ ترقيتي إلى رتبة بائع موثوق. كانت الفرحة لا توصف، وما زادها روعة هو احتفاء غالبية الزملاء والزميلات معي بهذا الإنجاز (شكراً لكم). لكن في الوقت نفسه، برزت إلى الساحة شكوك من طرف البعض تحوم حول عدد الخدمات التي بعتها، رغم أن حجم المبيعات ليس شرطاً أساسياً لنيل أعلى رتبة كبائع في منصة خمسات.

هل أنت مستعد الآن لاستكشاف بعض الأشياء المخفية؟ هيا بنا نبدأ:

1) انطباع خاطئ بناء على تاريخ التسجيل:

صحيح أنني سجلت في خمسات سنة 2016، لكنني لم أبدأ العمل الجاد حتى أواخر عام 2018 حيث بدأ المشوار الحقيقي بخطوات خجلة، وبعت خلال مدة قصيرة خدمتي الأولى (جمع صور من الإنترنت) بتاريخ 20/11/2018، تلتها مبيعات أخرى لنفس الخدمة. هذا يعني أن بداية مسيرتي الحقيقية عبر المنصة كانت قريب مطلع سنة 2019، لا في سنة 2016.

الشيء نفسه ينطبق على العديد من البائعين. فبكل بساطة يمكن أن تجد بائعاً سجل حسابه في 2014 مثلاً، لكنه بدأ العمل الفعلي سنة 2020. لذا لا تحكم على نجاح بائع من عدمه، أو تتوقع أرباحه بناء على تاريخ تسجيله في الموقع.

معلومة بسيطة قد تثير اهتمامك:

لم أبدأ مشواري في خمسات بجني الأرباح بل بشراء الخدمات من مدخراتي الشخصية، حتى صرت مشترياً مميزاً خلال مدة وجيزة. ثم بعد ذلك طرقت الفرصة بابي فكسرت حاجز بيع الخدمة الأولى، وارتقيت شيئاً فشيئاً لأصبح بائعاً مميزاً. لهذا تجدون عدة موضوعات سابقة بقلمي أؤكد عن طريقها أهمية شراء خدمات مفيدة (من لديه القدرة) حتى قبل تحقيق أي أرباح؛ لأن من سبقك إلى النجاح يمكن أن يمهد الطريق أمامك أو يعزز مسارك المهني بطريقة أو بأخرى، ويختصر عليك شهوراً أو سنوات من الوقت الضائع وسط دوامة المحاولات المتعثرة.

2) سنوات النشاط الفعلي ليست مقياساً للنجاح أو الأرباح:

إذا أخبرك البائع أنه بدأ العمل الفعلي في سنة معينة فستقيّم، على الأغلب، مدى نجاحه بناء على السنوات التي قضاها يعمل في المنصة. فهل هذا استنتاج صحيح؟ في الواقع، هو استنتاج خاطئ! دعني أوضح لك الأمر:

بدأتُ العمل مطلع عام 2019 تقريباً (أواخر 2018)، وبحساب بسيط سيبدو أنني قضيت سنوات عدة أقدم خدماتي عبر خمسات. لكن هل تعتقد أن نتائج جهد شخص يعمل ساعتين يومياً لـ 5 أيام في الأسبوع، مثل نتائج آخر يعمل بمتوسط 8 ساعات يومياً لـ 5 أيام في الأسبوع؟

غالباً لا، رغم أن النتائج لا تقترن بطول الساعات المبذولة دوماً. لكن لو تحدثنا عن نفس الشخص (عني مثلاً)، فقد قضيت حوالي 4 سنوات ونصف أعمل في خمسات (قريب مطلع 2019 حتى 22/05/2023)، بمتوسط ساعات عمل بالكاد يصل إلى ساعتي عمل يومياً لـ 5 أيام في الأسبوع، وذلك لأن جهدي كان وما يزال موزعاً في أكثر من اتجاه على الصعيد الشخصي والمهني.

فإذا كانت النتائج التي حققتها حتى الآن مبنية على متوسط عدد الساعات التي كرستها للعمل هنا، لا على عدد السنوات التي قضيتها، فإن شخصاً آخر عمل لنفس المدة الزمنية (4 سنوات ونصف) بمتوسط ساعات عمل يومية يصل إلى 8 ساعات، قضى نظرياً 4 أضعاف المدة التي قضيتها (كأنه عمل لحوالي 18 سنة). وعليه، ماذا تتوقع أن يكون مستوى إنجازاتي لو كرست خلال تلك السنوات 8 ساعات عمل بالمتوسط لـ 5 أيام في الأسبوع من أجل المنصة؟!

من هذا المنظور التقريبي للفكرة، لا تحكم على حجم نجاح بائع وأرباحه بشكل مطلق بناء على تاريخ تسجيله في المنصة، أو تاريخ بدء عمله الفعلي (إن أخبرك به). يمكنك فقط الحكم على نجاحه بصفة عامة ظاهرية وبصورة نسبية، لا على مستوى ذلك النجاح ودرجته.

3) لا تنخدع بعدد التقييمات أو مرات الشراء:

يظن الكثيرون أن عدد التقييمات أو مرات شراء الخدمة الواحدة، كفيل بإعطائهم صورة كاملة حول نجاح البائع وأرباحه – وهذا خطأ شائع! نتيجة هوسي القديم (أظنه يرافقني حتى اللحظة) بصياغة عناوين خدمات ذات طابع أدبي وإبداعي، إن صح التعبير، تختلف عن العناوين الجافة التقليدية؛ كنت أسعى لتغيير عناوين خدماتي من حين لآخر. ولأن قوانين المنصة لا تسمح بتعديل عنوان الخدمة (إلا بشروط محددة، وبعد التواصل مع الدعم الفني)، كنت أحذف الخدمة رغم حصدها لعشرات التقييمات، لأتمكن من إضافة واحدة جديدة بعنوان مختلف.

بعد مدة من الزمن أدركت أن هذا التصرف لم يكن الأفضل، لكن في الوقت نفسه كنت أملك الثقة بقدرتي على بيع أي خدمة، حتى لو عدت بها إلى نقطة الصفر. فإذا ألقيت نظرة على بعض خدماتي، لا تنخدع بعدد التقييمات أو مرات الشراء؛ لأنني لو لم أحذفها لأعيد إضافتها بعناوين جديدة مرات عدة، لتجاوز عدد التقييمات أو مرات الشراء أضعاف الأرقام الحالية بكثير (لا تفعل كما فعلتُ أبداً).

4) الأعداد موجودة أحياناً لتوهم عقلك بحقائق كاذبة:

صحيح أن عدد العملاء يعطي انطباعاً معيناً حول مدى نجاح البائع في الوصول إلى شريحة واسعة من المشترين، إلا أنه لن يعطيك فكرة شاملة حول أرباحه أبداً، بل غالباً ما سيجرّ عقلك إلى التفكير بصواب هذه المعادلة الخاطئة:

عدد مرات شراء الخدمة = (30) – إذن الأرباح = (30 × ثمن الخدمة الرئيسي).

ما يغفله الكثيرون هنا، أن عميلاً واحداً من بين ثلاثين عميلاً، ربما اشترى الخدمة 500 مرة أو أكثر، ودفع كل مرة مبلغاً يتجاوز سعر الخدمة المبدئي (طلب من تطويرات الخدمة مراراً)! والمثال المذكور قريب إلى حد بعيد لتجربتي الشخصية مع عملاء (VIP)، كان بعضهم يشتري مني خدمات بمبالغ محترمة كل مرة، ويكرر الشراء كثيراً على مدار سنوات.

5) متاهة التقييمات الإيجابية، وخداع التقييم الأخير:

البعض منكم يعتقد أن التقييمات الإيجابية التامة دون وجود أي تقييم سلبي، هي المؤشر الأقوى لجودة خدمات البائع وكفاءته المهنية، وأن آخر تقييم يدل على آخر مرة باع فيها البائع الخدمة المعنية. إذا كان آخر تقييم قبل عام من الآن، فهذا يدل أن البائع لم يبع الخدمة منذ سنة كاملة حتى اليوم (مسكين!).

صحيح أن كثرة التقييمات الإيجابية دون وجود أي تقييم سلبي أو منقوص إشارة قوية لمدى كفاءة البائع وجودة خدماته، لكنها في الوقت ذاته تدخل ضمن ما يسمى بـ «معادلة التوفيق والحظ السعيد». لماذا؟ لأن كل بائع معرض للتقييمات السلبية حتى لو كان آينشتاين زمانه، ونزار قباني عصره. لهذا فإن التقييمات السلبية أو المنقوصة، شرط ألا تكون أكثر من الإيجابية أو بنسبة مرتفعة جداً، ليست دليلاً على مهارة البائع وجودة ما يقدمه.

أما آخر تقييم فلا يدل على آخر مرة باع فيها البائع الخدمة، لسبب بسيط وهو أن بعض العملاء يشترون بشكل متكرر دون أن يضعوا تقييماً بعد استلام العمل. تعاملت مع عميل VIP رائع يشتري بمبلغ كبير كل مرة على مدار سنوات، لكنه لا يضع تقييماً على أي طلب بعد استلامه رغم إشادته المستمرة بجودة الكتابة.

6) ناصح أمين لكنه لا يطبق نصائحه على نفسه:

إذا نصحك أحدهم بعدم التدخين وهو يدخن، فالأغلب أنك لن تلتفت إلى كلامه. وإذا طرح بائع نصائح لزيادة المبيعات وهو ما يزال بائعاً جديداً لم يبع أي خدمة بعد، فمن المرجح ألا تعير كلامه اهتماماً يُذكر! حيث نميل عادة إلى تصديق الأشخاص الذين يطبقون نصائحهم قبل أن يقدموها لنا، ونخطئ الحكم على بعض الناس نتيجة تحليلنا للأشياء من منظور خارجي فقط، كما هو الأمر في مسألة تحليل نسبة الأرباح بناء على عدد التقييمات ومرات الشراء!

إن عدم الاستماع لنصيحة شخص يريدك ألا تقرب التدخين المضر أو تتركه رغم أنه ما يزال يدخن، ليس تصرفاً صحيحاً أو ذكياً. ربما لا يستطيع التخلص من هذا الإدمان رغم محاولاته المستمرة، ولا يريد لأحد أن يدخل نفس الدوامة التي يدور في فلكها، أو لم يستطع الإقلاع عن التدخين حتى لحظة نصحه لك، لكنه سينجح قريباً أو في وقت لاحق كونه يواصل محاولاته الدؤوبة.

لهذا كله، استفد من أي نصيحة مفيدة، سواء كان الناصح يطبقها أم لا، واحذر من الحكم الخارجي الخادع على أي شخص. فلا تدري على سبيل المثال ماهية التجارب التي مر بها ذاك البائع الذي ينصحك من واقع تجارب معينة أو ذهنية نجاح خاصة نمّاها خلال حياته، سواء باع خدمة أم ألف خدمة، أو لم يبع أي خدمة أبداً.

7) الجودة والاحترافية من منظور نسبي لا مطلق:

نظن أن هناك معياراً واحداً للنجاح والاحترافية، لكن الحقيقية هي أن الأمر نسبي في كثير من الأحيان. فبينما تجد عشرات العملاء ممن تعجبهم كتاباتك، تجد على صعيد آخر عملاء يرونها جافة أو إنشائية أو أقل من المستوى المطلوب!

على صعيد شخصي مثلاً، يثير أسلوبي في الكتابة إعجاب فئة من القراء، بينما لا يعجب آخرين جزئياً أو كلياً (No problem). إذن فمسألة الأذواق الشخصية تلعب دوراً كبيراً في معادلة تقييم العمل أياً كان نوعه، ولا يمكنك مهما كنت ماهراً أن تحوز إعجاب الجميع. فلا تنسَ هذه الحقيقة المهمة حتى لا يصيبك الإحباط حين تواجه تقييماً سلبياً أو انتقاداً لاذعاً.

إذن فالحكم على جودة خدمة معينة واحترافية البائع نسبي بعض الشيء. فلا تحكم على نجاحات الآخرين وجودة ما يقدمونه انطلاقاً من رأيك الشخصي وذوقك فقط، بل انظر إلى آراء العملاء بأعمالهم حتى تكتمل الصورة أكثر. فما تراه مبهراً قد يراه آخر عادياً، وما تراه اعتيادياً قد يراه آخرون استثنائياً.

8) نماذج الأعمال لا تعكس أعلى جودة للخدمة دوماً:

بينما يحاول البعض الحكم على جودة خدمات البائع انطلاقاً من نماذج أعماله، إلا أنهم يغفلون أمراً في غاية الأهمية؛ ألا وهو أن نموذج العمل لا يكون دوماً أفضل نتاجات الكاتب أو المصمم أو غيرهما من مقدمي الخدمات.

إن أروع نتاجات الكاتب على سبيل المثال، كثيراً ما تكون أعمالاً خاصة بعملاء يرفضون عرضها في معرض أعماله. ضمن مجلد إلكتروني أحتفظ به لديّ عشرات النصوص التي أتمنى لو أستطيع عرضها كنماذج أعمال، لكنني لا أستطيع التزاماً بتوصيات عملائي. ولو كان باستطاعتي مشاركة بعض النصوص التي كتبتها ضمن ظروف معينة وأجواء إبداعية خاصة، لظن البعض أن كاتباً أفضل كتبها! مع ذلك، بعض النماذج التي أعرضها (المترجمة خاصة) هي بالفعل من أفضل ما أنتجته؛ لأنها كانت ضمن أجواء إبداعية خاصة لا ترتبط بتقديم خدمة لعميل أو إعداد نماذج أعمال.

من هذا المنطلق، لا تُطلق حكماً يقينياً بأن ما تراه عبر نماذج الأعمال هو أعلى مستوى من الجودة التي يمكن للبائع أن يقدمها لك. فطالما وجدت بعض النقاط التي تدل على أن مقدم الخدمة يتمتع بشيء من الموهبة والاحترافية والإبداع؛ يمكنك توقع نتيجة مرضية لعملك، وربما تتفاجأ بنتيجة أفضل من المتوقع.

لا تجعل المظاهر الخارجية تخدعك:

انطلاقاً مما سبق، يجب ألا نحكم على أحد بناء على رأي شخصي أو تحليل سطحي. فخلف الستار حقائق صادمة أو مدهشة أحياناً! وفي الوقت نفسه، علينا الاستفادة من تجارب الآخرين ونصائحهم؛ لأن كل واحد منا لوحة فنية استثنائية، وأبسط إنسان في الوجود لديه مَلَكات فريدة لا تملكها حتى لو كنت فطحل عصرك وأعجوبة زمانك!

والآن، هل تغيرت نظرتك تجاه بعض الأمور المتعلقة بمنصة خمسات ومقدمي الخدمات عبرها؟ وهل استفدت شيئاً جديداً بعد قراءة هذا المقال؟ شاركنا رأيك في التعليقات، ولا تنسَ اللايك والشير والسبسكرايب.