كيف نتغلب على الشعور بالذنب جراء حبنا لأولادنا أكثر من والدينا؟

أراحك الله كما أرحتني. جميل تفسيرك يا أمير. ولكن ما أعجب له هو ذلك التحول في المشاعر. بالطبع درجة حبي لوالدتي لم تقل وهي هي ولكن يعز علي أني لم أثبت على هذا! أنت تعلم أن اﻵباء هم السبب الأصغر في وجودنا ولهم الفضل بعد الخالق في نعمة الوجود علينا فكيف يقل حبي من أعطاني وجودي بحب من أنا اعطيته وجوده؟! ولكن ما يسليني في هذا هو أنني مثل باقي الناس وان تلك مشاعر وقلب ييتقلب لا دخل لي فيه. فأنا في العطاء المادي أو الإهتمام كما أنا لم أتغير غير أن قلبي قد زاحمه حب غير حب والدتي في حين أني قد تخيلت أني قد فرغت من قضية الأكثر حبا وغلاوة لدي وتيقنت منها فإذا التجربة الفعلية تثبت لي خطأي. القضية هنا أنني عرفت أني لا أجزم بشيئ ولا أتيقن من شيئ وأن قد أتغير في المستقبل وأن قلبي ليس بيدي...

رحم الله والديك يا إسلام وأسسكنها فسيح جناته. قلبي معك. ولكني يا صاحبي كنت أجزم مثلك وحتى أنيكنت أقسم أغلظ الأيمان على أن أحدًا لن يأخذ مكانة أمي في قلبي وكنت لا أنكر هذا وكنت أعلنه. وكنت أفلسف هذا بان عطاء الأم عطاء رباني صافي، هي تعطي ولا تنتظر مني هي تريديني سعيد لنفسي لا لأجلها هي تريد أن تراني بأفضل حال وتسعد لذلك حتى لو كنت مغاضبها فهو حب نقي في أعلى درجاته. الوالدية وخاصة الأمومة عطاء محض لا يشبه أو يعظمه إلا عطاء الربوبية ولذلك قيل في الشعبيات حنان الوالد من حنان الخالق أو حنان الأب من حنان الرب بمعنى أنه شبيهه ولكن حنان الرب يعظمه ويفوقه بردجات ولكن نفس اللون. أما باقي ألوان المحبة من محبة زوجة أو ابن أو شقيق أو شقيقة فهي في الأخير فيها لون من ألوان المصلحة.

أما اﻵن فقد تسلسل حب وليدي الصغير وخالسني واحتل مكانها أو قبع فوق مكانها. القضية التي تؤلمني أني أسأل نفسي لو خيرت بين أيهما يبقى من أختار؟ بالطبع هذا سؤال لا منطقي ولكن من شعوري واستبطاني نفسي يؤلمني أني أختار صغيري أو أن شعوري ميال لذلك. ما يضايقني أن المنطق يقول أن الأم كان يجب أن تكون اغلى لأنها تحبني أكثر مما يحبني صغيري هذا حينما يكبر وأن صغيري هذا سيحبني لمصلحته نوعا ما أما والدتي فتحبني لنفسي هكذا سواء كنت ناجحاً فاشلاً غنيا أو فقيرا كبيرا أو صغيرا ......تحبني في كل حالاتي ..... ولكن لا أعرف لماذا غلا عندي صغيري إلى هذا الحد؟ هل لانه ضعيف يحتاجني؟ هل لأني أرى فيه نفسي الصغيرة فأنا أحنو عليها؟! أم هو حنان رباني لا يستطيع أحد له تفسيراً؟!

يؤسفني أن أقول لا. الحب حب وليس هناك اختلاف ألوان ولكن قد يكون اختلاف درجات ومما يدلنا على ذلك هو المقارنة بين الإثنين إذا خيرنا - بالطبع هذا افتراض ولا قدر الله - أن نختار أن يظل إلى جانبنا من هو أعز لدينا وأكثر غلاوة؟ حينها لابد أن نختار وسنحتار ولكن سنختار في نهاية المطاف. من يقع عليه الإختيار هو من لا نستطيع أن نستغني عنه. ولكن أعتقد أن عزائي في ذلك هو أنه يبدو أن الجميع يختبر تلك المشاعر حين ينجب وأن آبائنا أحبونا أكثر من آبائهم وهكذا طبيعة الحياة و الأحياء...

أتفق معك الحب له أشكال مختلفة ولا يمكن مقارنة نوعه حب الأم عميق ودافئ وغالبًا بلا شروط يرافق الإنسان طوال حياته أما حب الأبناء فهو مليء بالفرح والعطاء والمسؤولية وكل مرحلة في حياتهم تضيف جانب جديد لهذا الحب تجربة الحب تعلمنا أن لكل حب أثره في القلب فلا نشعر بالذنب إذا أحببنا أبنائنا اكثر من حبنا لوالدتنا فكل حب فريد وله مكانه وهذه هي روعة العلاقات أن نقدر كل حب ونعيشه بصدق دون مقارنات حب الأم يبدأ منذ الطفولة ويبقى راسخ وعميق أما حب الأبناء فيمنحنا شعور بالغنى والمسؤولية ويجعلنا نرى أنفسنا من خلال أعينهم ونعيش حياتنا معهم كل حب يعلمنا شيئ ويمنحنا تجربة فريدة تجعل القلب أوسع وأكثر قدرة على العطاء

نعم يا أيمن ولكن ألا ترى أن هذا الشعور الجارف والحب غير منطقي؟ يعني العقل يقول أن من أحبنا حبًا نقيًا خالصاً وجب أن نبادله نفس الشعور وأن لا نفضل عليه في حبنا أحدا غيره. يعني حب ابنائنا لنا سيكون حيا مبطناً بالمصلحة لا حبا خالصاً ثم أنهم هم سبب وجودنا لولاهم لم ننعم بالحياة أما ابنائنا فهم من يدينون لنا وليس العكس...

ما يشعرني بالذنب هو مجرد مشاعر التفضيل لطرف على اﻵخر. لا تفضيل ماديات أو عطاء بل مشاعر فقط لا غير. ولكن كلامكهذا يشبه ما قاله لي أحدهم أن حبك لإبنك هذا يريك كيف كانت والدتك تحبك فهذا أدعى لان تقدر مدى حبها وحنوها عليك...

جورج هربرت هذا شاعر وخطيب إنجليزي عاش في أوائل عصر النهضة وهو معدود من شعراء ما وراء الطبيعة وأنا أستغرب قوله في الرائحة و الملح وأتفق مع حب الأولاد. ولكن وجه الغرابة يذهب لما نعرف إنه كان قساً وقديساً متقشفاً حتى أنه مات مسلولاً في سن صغيرة.

نعم أتفق معك في ان حبنا للأبناء يجعلنا نرى كيف كان وما زال يحبنا اﻵباء وقد قالها لي رجل أقدره لما بارك لي وكيف أن ذلك يجعلنا نقدر أكثر والدينا من ذي قبل.