أصدقائي القدامى صاروا لا يناسبون أفكاري نهائي، أزيّفها لاستمرار قبولي أم أتركهم؟ ولماذا؟

أنا أيضا أختلف مع الكثير ممن عرفتهم، وأجد نفسي أبتعد عنهم في كل ما كان يجمعنا، من أفكار ورغبات وتوجهات، وأعتبر هذا طبيعي جدا، لأننا نختلف مع أنفسنا كلما كبرنا، وأكيد أن أصدقاءنا سيتغيرون هم أيضا، وليس بالضرورة في نفس اتجاهاتنا.

لهذا أتفهم الأمر جيدا، ولا أعاتب عليهم، ولا أتفق معهم فيما يخالف رأيي، وأحترم اختلافهم معي، واستمرت علاقتنا جيدة حتى الآن.

أنا أيضا مررت بما تمر به ضياء ولكن لم ولن أختر الابتعاد مطلقا، ولكن هذا لا يعني أن ترض بتزييف مشاعرك وأفكارك لتتلاءم بينهم أنت هكذا ستخسر نفسك وهويتك، الحل يكمن في الموازنة بين الأمرين، لا تشاركهم في الجلسات أو الخروجات التي تلائمك ولا تشعرك بالراحة ولكن اسأل عليهم دائما وكن بجانبهم إذا احتاجوك، بادر أنت باقتراح الأشياء التي تفضل فعلها وليشاركك فيها مين يحب ويرتاح لها، قدم النصيحة والمساعدة إذا طلبوها، ولا تحاول فرض رأي مخالف يخص قراراتهم الشخصية أو رغباتهم، هم كبار بالغين يعرفون ما الأفضل لهم في النهاية، وأركز على هذه النقطة تحديدا لأن الكثير من الناس يعتبرون أن واجب الصداقة الأساسي هو وضع أصدقائهم على الصراط المستقيم! واختصارا عليك أنا انصحك بعدم قطع أي علاقة كانت في يوم من الأيام مصدر سعادة ودعم لك حتى وإن لم تعد كذلك، فلتبقي على الجيد منها حتى وإن لم تعودوا مثل السابق.

قبل أن تبدأ في الشروع في أي قرار أظن أنه يجب عليك أن تسأل نفسك أولاً : هل استمرارك في العلاقة يتوافق مع قيمك ومبادئك الشخصية؟ هل تشعر بالصدق والارتياح مع نفسك عند التفاعل معهم؟هل هناك فرصة لأن تتطور العلاقة وتتكيف مع التغيرات في آرائك وتوجهاتك؟ أم أن الاختلافات ثابتة ولا يمكن تجاوزها؟

وبناءاً على إجابتك ستتضح لك الطريقة المناسبة لإتخاذ القرار ولكن لو كنت أنا مكانك فقد أميل إلى النظر في إمكانية فتح حوار صريح مع أصدقائي القدامى حول اختلافاتتا. قد يكون هناك فهم متبادل واحتمالية لتعديل بعض الجوانب في التفاعلات بحيث تكون أكثر ارتياحًا ولكن في كل الأحوال لن أتخلى عنهم أو أتركهم تحت أي بند (قد أقوم فقط بتقليل أنشطتي معهم) وأسعى لتكوين صداقات جديدة مع أشخاص يناسبةن تلك المرحلة .

إن كان الاختلاف جوهرياً، كالاختلاف في المستوى الفكري والقيمي، فسأنهي العلاقة بشكل دبلوماسي (انسحاب تدريجي تكتيكي)! وهذا ما فعلته مع كثير من رفقاء الماضي الذين لم أعد أشترك معهم من ناحية الأفكار والقيم وخلافها من الأمور الجوهرية.

أنهيت (صداقات) كثيرة دامت لسنوات لأسباب جوهرية متنوعة. فلم أعد على سبيل المثال أستطيع احتمال سماع كلام لاإنساني مسيء يتكرر باستمرار على لسان (صديق)، بحق إنسان بناء على جنسه أو شكله (كلام مسي تجاه المرأة، ذوي الهمم... إلخ)!

طبعاً هذه تجربة شخصية وخيار ذاتي، لا أفرضه على أحد، ولا أضمن أن تكون تداعياته إيجابية مع الجميع كما هي معي.

اعلم أنه عندما بدأت بصداقتهم كان لوجود أمور مشتركة، سواء في المدرسة أو الجامعة أو العمل أو غيره.

فكان أساس الصداقة هو الأمور المشتركة ويوجد ما يربطهم ببعض. ولكن عند الانتقال إلى مرحلة أخرى، يصبح من النادر أن يشاركك صديقك بها، فلكل شخص طريقه وميوله وأهدافه.

أما بالنسبة لاختيارك بين الخيارين، فلا أجد أن كلا الخيارين مناسبين.

الخيار الأول: إما أن أستمر في تزييف آرائي ومواقفي معهم حتى أظل مقبولًا بينهم وأتجنب الخلافات التي قد تنشأ بسبب هذا الاختلاف.

أنت لست مجبرًا على تزييف مشاعرك وما تريد لكي تحافظ على بيئة أنت في غنى عنها. وإذا استمريت، إما أن تنسى هويتك وما تريد، وتجرك اللامبالاة بأفكارك، وبالتالي تمضي دون تقدم، أو تشعر بعدم الأمان وأن هذا المكان ليس مكانك طوال حياتك.

أما الخيار الثاني: أن أختار الابتعاد عنهم وأقطع تلك العلاقة التي استمرت لسنوات طويلة!

الصداقات مهمة جدًا في حياة الإنسان، وتحديدًا إن كانت منذ فترة طويلة، حيث تشعر أنهم جزء من ذكرياتك وتشعر بالراحة بوجودهم وأنهم سند لك. فخيار الابتعاد نهائيًا اجعله آخر خيار تختاره، خصوصًا إن كانوا أوفياء.

يوجد خيار ثالث أريد أن أقترحه عليك: اجلس معهم وتحدث معهم بكل جدية وحب، بأنكم أصدقاء منذ زمن وهذه الصداقة تقدرها جدًا وأنك لن تنساهم وقد أثروا فيك. ولكن الآن طموحات وأهداف كل شخص اختلفت، فكل شخص منا لديه مسار وطريق يسير عليه بسبب اختلاف الظروف التي تحيط به أو طريقة التفكير. ووضح لهم أنك دائمًا ستكون بجانبهم في أفراحهم وأحزانهم. وطبعا ستجتمعون بشكل متواصل كما كنتم ,

بهذه الطريقة ستضع حدودًا جيدة. فإن كانوا متفاهمين وأوفياء ويعلمون معنى الصداقة، سيشجعونك ويكونون لك سندًا كما ستكون أنت لهم سندًا في أمور حياتهم. وإن كانوا غير ذلك، سيبتعدون. وفي الحالتين لن تخسر شيئًا. فإن ابتعدوا، فسيعوضك الله في طريقك في الحياة بأصدقاء يكونون لك السند والقوة لاستكمال ما تريد.

عن نفسي أخي ضياء أبتعد، لا أعلم ما أن كنت ادفع نفسي للراحة أم لجحيم الوحدة، فعلت مع الأصدقاء والاقارب ولم يتبقى سوى زملاء العمل، مؤخراً سألت نفسي هذا السؤال.

تحديداً يوم وفاة أبي، لم اتذوق مرارة للوحدة كهذه التي تذوقتها وأنا أنتهي من إجراءات الدفن ومراسم التعزية، بعدها سألت نفسي فيما أن كنت محق فيما فعلته وأنا فقط هش وضغيف الآن، أم أنني بالغت في الفعل عندما مضيت وحدي.

وبصراحة آمل أن أجد جواب هنا فأنا عاجز عن التبين في صوابية ما فعلت