قسِّم المهام الى مهام صغيرة، ثم قم بانهائها واحدة بعد واحدة، فقط افعلها افعلها افعلها!!

بهذه النصيحة يبرز التعليق الأكثر تصويتًا على Reddit ردًا على جواب سائل يطلب نصيحة بسبب تسويفه المستمر عن انهاء اعماله.

وقد لا تبدو نصائح "قسِّم المهام إلى أصغر" سيئة، هي مفيدة فعلًا للبداية، لكن مشكلتي مع نصائح "افعلها افعلها ثم افعلها!" التي تعتمد على توليد أكبر كمية من الضغط الداخلي في نفسك لانجاز ما يتراكم عليك من مهام.

قد تنجح مرة ومرّات، لكن على المدى الطويل، الأمر مُرهق وغير قابل للتكرار المستمر. وكيف تُطيق النفس تحفيزًا يشبه التنمّر؟

لهذا أحبّ أن أشارككم اليوم نصائحي للحدّ من التسويف، ولا أظن أن أغلب كتب التنمية تتطرّق لها.

المستوى الأول: ثقافة عامة

نصائح الثقافة العامة تستطيع نصحها لأبن جيرانك حتّى يُركّز في مهامه، مثل تحديد موعد البداية، تقليل التشتّت، تقسيم المهام وهلمّ جرًا.

لستُ ضد هذه النصائح لكنّها لو كانت تعمل بمفردها لما كُرِّرت علينا صبحًا وعشية.

المستوى الثاني: اعلانات العقل

هذا المستوى أعمق من الذي قبله، والذي أراه في نفسي عندما استصعب القيام بمهمّة هو أنِّي أشغِّل اعلانات عقلية كئيبة.

أتخيّل نفسي أقوم بالعمل وأحاول جمع ملفات الدراسة مع حاسوبي البطيء، تواجهني مسألة صعبة، أعلق في صفحات البداية بحثًا عن المصدر المناسب للدراسة.

كيف أُرجِّي النهوض للعمل بهذا الاعلان البائس؟

أوّل خطوة هي أن أغيِّر من هذا الاعلان. أتخيّل نفسي في لحظة الذروة الايجابية لهذا العمل، وما يتبع هذه اللحظات من الشعور بالرضا عن الانجاز.

عندما تعرض هذا الاعلان في عقلك، ستكون كمن نصبتَ تردد اشارة راديوية، وما على جسدك إلّا اتباعها في محاولة الوصول إلى تلك الصورة المرسومة في ذهنك.

مع هذه الاعلانات العقلية، أنت تبدأ من النهاية الجيِّدة للقصّة، على عكس الاعلانات الكئيبة التي تبدأ من بداية القصّة السيئة.

المستوى الثالث والأعمق - تقبّل الواقع

طريقة الاعلانات العقلية مفيدة في احيان كثيرة، في بعض الأحيان يكون العائق الأكبر أمام ما نفعل هي مناطق مُظلمة في عقلنا نخشى أن نلقي عليها النور.

الأمر يشبه التهرّب من واقع مظلم ما، واقع لا يُريد العقل تقبّله.

عندي امتحان اوسكي بعد شهر من الآن، وهو عبارة عن أمتحان سريري مع المرضى، وفي نفس الوقت تخضع لأستجواب المجرمين من قبل الأساتذة المشرفين، وهو من أصعب الامتحانات. وعليَّ أن أشرع في التحضير له من الآن إن كنتُ أريد نتيجة جيّدة، كلما حاولت اقتطاع جزء من وقتي لدراسة هذا الأمتحان، أتهرّب وأدخل في دوّامات من التسويف والتعطيل.

حينما جلستُ أفكّر في السبب، وجدتُ أنِّي أخشى من هذا الامتحان حقًا، إنّه يجعلني أنزف الكثير من الدرجات، ويودي عادة بمجهود سنة كاملة من التقادير الجيّدة.

في هذا المثال، إذا أردتُ أن لا أُماطل عن دراسة هذا الامتحان، يجب أن أُلقي بعض للنور عن هذا الظلام، عن تخوّفي من درجة الامتحان.

الطريقة تبدأ من تقبّل الواقع، نعم هناك احتمالية أن أفشل في هذا الأمتحان إن لم أخضع للاعداد الجيّد لمدّة شهر، نعم هناك احتمالية أن أفقد الكثير من الدرجات، أتعلثم أو أمر بيوم سيّء أنسى فيه ما أعددته لفحص المرضى.

هل هي نهاية العالم؟ سأخسر بعض الدرجات، قد ينزل تقديري بعض الشيء، لكنّه ليس الأكثر سوءًا في هذه الدنيا، أعتقد سأنسى تأثير خوضي لامتحان سيء بعد يومين أو ثلاثة.

بشكل عام هذا مثال متطرّف، قد لا تكون اجابتي بهذا السوء، نميل أحيانا للمبالغة في مخاوفنا، فهناك احتمالية أن يكون هذا الواقع "احتمالًا" أصلًا.

والآن، ماذا يُمكنني أن أفعل لتجنّب شيء من هذا الواقه المُحتمل؟ ماذا يُمكنني أن أفعل لتقليل ولو نسبة من حدوث آثاره السيئة؟

هنا تُقطع الحبال، هنا تُفكُّ العقد.

هذه الطريقة حسب تجربتي هي الأساس لمجابهة أي نوع من التسويف الذي يتغذّى على مخاوفنا، هذه المخاوف تبدو كما لو أنّها مناطق مُظلمة في عقولنا.

هذه المناطق المظلمة تُعكّر سير طاقة انجاز المهام من خلالها، لأنّ العقل لا يسمح بالنظر اليها أو إنارتها، ويتخيّل في هذه الظلمة وحوشًا وأفاعي وعقارب.

الفكرة أن نُنير هذه المناطق المظلمة، وبالتأكيد لن يكون الموجود فيها يُعجبنا تمامًا، لكنّه أهون من تخيّل الوحوش الخيالية في هذا الظلام.

علينا أن نتقبّل أن الواقع الذي قد يكون في تلك المناطق المظلمة هو واقع لا يُبهج. لكننا نستطيع أن نفعل شيئًا حيال هذا الأمر، تارة بأن نُفكِّر بأنّ ما يوجد في تلك المناطق المظلمة ليس نهاية العالم، وتارة أخرى بأن نُفكِّر أن ما يُوجد في هذا الظلام هو "احتمال" لواقع سيء فقط، أحتمال نستطيع أن نُقلِّل من احتمالية حدوثه ولو بنسبة 0.01% بقيامنا بالعمل التالي على قائمة المهام!