رواية الأديب تشارلز ديكنز (أنشودة الميلاد) تتحدث عن العجوز "سكروج" الثري البخيل الذي يستيقظ من نومه بعد أن رأى كابوساً يتمثل بثلاثة أشباح تصحبه في رحلة بين أفعاله التي قام بها في الماضي، وحاله اليوم وما سينتظره في الغد من التهديد والعقاب جرّاء بخله، ليستيقظ بطل الرواية وقد تحول لشخص آخر كثير العطاء والمنح.

هذه الفكرة كانت ملهمة لرجال الأعمال والأثرياء للتبرّع في الأعمال الخيرية، فكما نعلم بأنّ وارن بافيت، وبيل غيتس، وجيف بيزوس، ومارك زوكربيرغ، وغيرهم الكثير من الرياديين يعتبرون من أكثر المتبرعين وبرغم ذلك ما يزالون يحتفظون بمرتبة متقدمة في قائمة الأثرى في العالم.

الأمر لا يتعلق في العطاء فقط، لقد كان وسيلة تسويقية للمؤسسة يظهرها داعمة لتنمية المجتمعات، حيث تعتبر الأنشطة الخيرية من أكثر وسائل التسويق فعالية.

"العطاء يجعلك أكثر ثراء"، دراسة قام بها آرثر سي بروكس في العام 2007، وتمّ نشرها في موقع سبرنجر الأكاديمي، حاول فيها عالم الاجتماعيات المحاضر في كلية هارفارد للأعمال تحليل الارتباط بين العطاء والثروة، وأيّ الاثنين يسبب الآخر، حيث لم تعتمد الدراسة على أنّ العطاء يجب أن يكون مالياً فقط، بل قد يكون عبارة عن أعمال خيرية.

الدراسة اعتمدت أسلوب الاستطلاع، وشملت 30ألف شخصاً من مجتمعات متعددة وأعراق مختلفة، حيث تعتبر الدراسة الأكثر دقة وموضوعية لأثر العطاء على الأعمال الريادية.

بيّن تحليل البيانات في نتائج الدراسة بأنّ الأشخاص الذين ساهموا بتقديم التبرعات سعداء للغاية أكثر بنسبة 43% من أولئك الذين لم يقوموا بالأمر، أما من قاموا بالتطوع الخيري -حسب الدراسة-، فقد كانوا سعداء للغاية بنسبة 42% أكثر ممن لا يقومون بذلك.

وقد كشف تحليل البيانات الناتجة عن الاستطلاع بأنّ الأشخاص المواظبين على الأعمال الخيرية يجمعون أمولاً بشكل أكثر من أولئك الذين لا يفعلون، وجاء في تحليل ذلك أنّ المتبرّع يشعر أنه أكثر ثراء، وهو ما يزيد الدافعية لديه للبحث عن المزيد من الفرص وزيادة الإنتاجية مما ينعكس على زيادة دخله.

ففي دراسة أخرى أُجريت لمعرفة تأثير الإنفاق على الدماغ عبر نموذجين، أحدهما لشخص يملك 100دولار تبرّع بها لبنك الطعام والآخر لشخص يملك نفس المبلغ قام بدفعه على شكل ضرائب.

تبيّن من خلال الدراسة بأنّ دماغ المتبرّع أطلق هرمون الدوبامين المسؤول عن السعادة، وهو ما لم يقم به دماغ الآخر، مما ينعكس على شعور الرغبة والارتياح ويقود لنفس النتائج في الدافعية للعمل وإيجاد الوسائل الأكثر قدرة على إنجاح الأعمال.

هل تظنون حقاً بأنّ العطاء يزيد الرفاهية؟ ويؤثر بشكل إيجابياً على الدافعية والرغبة بالعمل ونمو الأعمال؟