"ما يجعل الإنسان صاحب تفكير حر ليست معتقداته وآرائه، ولكن الطريقة التي يفكر بها؛ فمن يعتنق عقائد دينية لأن معلميه وشيوخه ربوه عليها في صغره ففكره ليس حرًا، ولكن من يعتنق نفس هذه العقائد لأنه يجد أدلة كافية تدعمها ففكره حر"

كلمات قالها الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل في مقالته "قيمة الفكر الحر" عام 1944م، ولكن تشعر عند قرائتها كأنها قيلت اليوم، لوصف حالة البعض من أبناء هذا العصر!

فأصحاب التفكير الحر في تناقص مستمر، خاصة في ظل ما نعايشه من ثقافة التلقين المباشر المنتشرة بشكل ملحوظ في مختلف المجالات... فأينما نذهب سنجد من يملي علينا ما نفعله، وما نقرأه، وما نرتديه، وما نعتقده، وما نهاجمه، و و... وتقريبا سنجد ذلك الملقن ملازما لنا بكل تفاصيل حياتنا، ولا يمنحنا أي مجال لإعمال العقل!!

وينبغي هنا التفريق ما بين التلقين أو فرط التعليم، وبين التعليم المعتدل المثمر، الذي لا غنى عنه لتحصيل المعرفة الضرورية بشتى مجالات الحياة، ومعرفة مبادئ العيش بها..

أما الإفراط في ذلك التعلم، فأظنه سلوكا يؤثر بالسلب على التطور العقلي لمن اعتاده.. فأحيانا كثرة الإطلاع حول موضوع ما تصيبنا بالتشتت وعدم القدرة على الإبداع وبلورة الأفكار الخاصة بنا.

ولقد عبّر الفيلسوف شوبنهاور عن هذه الحالة بقوله: "إن الإفراط في القراءة والتعلم يعوق المرء عن مزاولة التفكير لنفسه بنفسه".. عند الوهلة الأولى قد يرفض المرء هذا الإدعاء الخطير على القراءة والتعلم، لكن بعد تدبر الأمر، أدركت أنني أتعرض بالفعل لتلك الحالة!..

فمثلا عندما أقوم بإجراء بحث حول موضوع ما للكتابة حوله.. أجدني غارقة بين سيل من المعلومات المتداخلة، لدرجة قد أعجز معها عن بلورة وصياغة أفكاري الخاصة حول ذلك الموضوع!! ولذلك أحاول قدر الإمكان الإعتدال بجميع الممارسات، حتى بتلك التي ظننتها يوما مصدرا للمنفعة المطلقة!

برأيكم، هل يحد فرط التعلم من قدرة العقل على الإبداع والتفكير الحر؟.. وكيف لنا أن نعرف الحد الفاصل بين الاعتدال والافراط في التعلم؟!