ثمة منهجان رئيسيان في دراسة اللغة، أي لغة: المنهج المعياري (Prescriptive) والمنهج الوصفي (Descriptive). الأول يرى اللغة وكأنها لها هويًة ثابتة لا يصح أن تحيد عنها. يراها وكأنها أنزلت إلينا من السماء بفعل فاعل؛ ولذا ترى المعياريين يقولون لك: قل كذا ولا تقل كذا. هذا صواب وهذا خطأ. هؤلاء المعياريون يفرضون قواعد النحو والصرف بحزم وصرامة محاربين كل تجديد فيسمونه " خطأ" ينبغي رده إلى الصواب. كل تغير في اللغة عدًوه لحناً وراحوا يدرسون اللحن!

المنهج الثاني يرى اللغة كيان متغير تطورت بتطور الاجتماع البشري؛ فهي انبثقت عفوياً من عملية الاجتماع؛ فليس هنالك رابط جوهري بين اللفظ أو المعنى ولا بين الأصوات ومدلولاتها. والوصفيون يلاحظون التغير الحاصل في اللغة ويدرسونه ولا يقولون " هذا صواب وهذا خطأ" وإنًما يصفون التطور الجاري على اللغة الحية كما يتحدث بها أهلها وليس كما ينبغي أن تكون عليه اللغة كما يفعل المعياريون!

 الحقيقة أنًي أميل إلى المنهج الوصفي؛ لأن اللغة حقيقة كائن حي متطور. فما الفرق بين: أحمدْ مَبيجيِش المدرسة و أحمدُ لا يجيئُ إلى المدرسةِ؟! ألم نفهم المعنى في كلتا الجملتين؟!! كان نوح ويبستر ( Noha Webster) يعيش على تصنيف المعاجم و تقعيد القواعد. غير أنه احتار بين المنهجين فراح يمزج بينهما. غير أنً المعاجم و كتب النحو راحت عندهم تميل أكثر فأكثر إلى المنهج الوصفي حتى أضحت حصرية عليه. يعيب المعياريون استخدام نفي النفي ويعدونه خطأ لأنه اثبات. مثال:  They do not have none و التي نترجمها بالمصري ( وب الطبع يقابلها باللهجات العربية أمثلة مساوية) همً مش معاهم ولا حاجة. أنا بالمصري أفهم المعنى وكذلك الأمريكي العامي يفهم المقصود غير أن المعياريون يعدونه خطأ و الصواب هو: They do not have any و التي بالمصري: لا يمتلكون شيء. هنا الوصفيون يتعاملون مع اللغة ككائن حي يتطور ويصفونها ضمن جماعة من الناس تتحدث بها.

مثال آخر: في جنوب الولايات المتحدة وفي شمال شرقها يستخدمون الضميرين: ‘Y’all و ‘Yous’ كجمع للضمير ( You) فيكون بمعنى (أنتم أو أنتن). أليس هذا تطوراً مفيداً يفيد الفهم في الحديث أكثر من استخدام ضمير واحد يعبر عن المخاطب (أنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتنَ )؟ ولكن المعياريون يعدونه خطأ لأنه ابتداع وخروج عن النهج التقليدي!!

والآن ألا ترون أنًنا بحاجة إلى الأخذ بالمنهج الوصفي في دراسة اللغة العربية؟ أليس المنهج المعياري مضاد لطبيعة اللغة الحية النامية؟ وماذا علينا لو تخلينا عن النحو و الصرف لصالح العامية الجديدة؟