إنّ بناء الإنسان وتنشئته تنشئة صالحة لا تكون بتوفير مأكل أو مسكن - رغم أهميتها- لكن تقلّ درجتها مقارنة بالحاجة إلى العلم والتعلّم، فليس غير العلم من سبيل يبني إنسانًا مستنيرًا على أساس لا يخشى معه هلاك أو انحراف أو سقوط في براثن الجهل وظلماته الحالكة الموحشة. 

ففقر اليد يمكن تعويضه بغنى العقل، والتشتت يتبدد بمأوى المعرفة والثقافة التي تقيم حضارة ومدنية حقة. 

لذا فعلى المعلم أن يلم بمجالات الابتكار والتجديد والتطور ومواكبة التقدم الهائل والسريع في جميع المجالات المختلفة ومنها قطاع التعليم وما يتضمنه ويشتمل عليه من ممارسات تعليمية وتربوية، وهي أمور ( أقصد أمور التطوير والتجديد والابتكار) من شأنها أن تحدث نقلة نوعية وتغيير شامل للفرد في نموه المهني، والاجتماعي، أو حتى على الصعيد الشخصي كثقة المعلم بنفسه كونه قادرا وملما بالتغيرات الطارئة والنقلات المفاجئة لشكل ونمط التعليم من حين لآخر.... 

وخير شاهد على ذلك .. أزمة وجائحة كورونا التي أرخت بظلالها على العالم واستوجبت التفاعل السريع من أجل الخروج بحلول جذرية تصلح وتحقق بيئة تعليم آمنة فكان التعليم عن بعد... وحتى نكون صريحين مع أنفسنا لو لم يكن المعلم وقتها مستعدًا أو بالأحرى متمكنا من أدوات التعليم عن بعد لأخفق في أول محاولة له في التوظيف والطرح والتبني لهذا التوجه. 

ففائدة التجديد ومسايرة ومواكبة الأساليب الحديثة في التعليم خاصة التعليم بالتقنية والبرامج الإلكترونية لا شك هدف غالٍ، ومطلب ثمين، ونتائجه لو تحققت كما رسمت له ستكون نتائج مبهرة وغاية في الفائدة. 

زملائي الكرام – لا يخفى على أذهان حضراتكم وأنتم أهل الميدان وأصحاب الدار أن مجالًا كمجال التعليم والتربية موضوعٌ ليس بالسهل وعملٌ ليس بالهين، خاصة لو تنبهنا إلى أننا نشترك جميعا في بناء نهضة وحضارة أمة بأكملها أو بالأحرى ينتظر المجتمع منا إخراج هذا المنتج النهائي الذي يتنقل بين أيدينا جيلا بعد جيل، ومرحلةً بعد أخرى، وفي نفس الوقت يريده بمواصفات مقبولة، تفكير مناسب للعصر، فاعل، ومنتج، وقادر على العطاء في الظروف التي يوضع فيها؛ لتدركوا عظم المسؤولية والتكليف والأمانة التي يحملها كل واحد منا. فإعداد هذا الطالب وتجهيزه وتحضيره وتقديمه للمستقبل يحتاج إلى جهد بعد جهد ، وعمل بعد آخر ويتطلب قضاء ساعات طوال من أجل تخطيط وصياغة -فقط- فكرة معينة في درس تضمن من خلالها وصول المعلومة لجميع الطلاب، واستيعابها بالشكل الصحيح ، وتطبيقها، وتوظيفها التوظيف الأمثل في حياته الواقعية.  فما بالكم بعام كامل أو مرحلة من المراحل الدراسية المختلفة . 

قصدت من ذلك كله القول بأن عملية التعليم عملية حركية مستمرة لا تتوقف، وفي هذا لا بد أن تتصف بالمصداقية والقبول مدخلات، وعمليات، ومخرجات نهائية. 

وعملية إخراج هذا الجيل من الطلاب المتعلمين بالصورة المقبولة التي يرتضيها المجتمع سواء كانت سياسات التعليم ، أو حتى رؤى المجتمع الدولي والمحلي، كذلك سوق العمل، وأيضا ولي الأمر وضرورة أن يكون هذا الطالب ملما بمهارات القرن الحادي والعشرين  

كل ذلك لا يتم إلا من خلال قابلية المعلم في المشاركة في هذا الصنع وهذا البناء ومن خلال نقل تجاربه بكفاءه وفاعلية للطلاب، قدرته على التنوع في أساليب التدريس، مهارته في بناء وسائل تعليمة مناسبة، معرفته الضرورية واللازمة لتوظيف أنشطة تعليمية وتكليفات صفية وغير صفية تشبع ميول ورغبات هؤلاء الطلاب وتحقق أهداف المادة التعليمية إشراك الطالب في العملية التعليمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى . 

وأعتقد أن الغالبية متفقون في أن الطلاب الآن لم يعودوا بحاجة إلى المعارف النظرية المجردة وإن شئنا أن نقول ( المعزولة عن محيطها الواقعي والفكري لظروف العصر الذي يعيشه الطالب ...) 

هو بحاجة لربط هذه المعلومات والتراكمات النظرية مع بعضها البعض ، دمج الأفكار في جميع المواد الدراسية التي يتعلمها الطالب برباط يجعلها في تناغم وبالتالي تتم عملة تكيف وتوظيف مثالي لها جميعا 

كل ما أردت قوله في آخر المطاف أنه: انتهى عصر التلقين والتكديس للمعلومات وكل ما على المعلم فعله في هذا الوقت تحديدًا هو فتح الآفاق والمجال للطلاب ليبحثوا بأنفسهم، يستنبطوا بأنفسهم، يكتشفوا بأنفسهم يحللون، ويقيّموا، ويفسروا، ويعبروا عن آرائه وأفكارهم والمعلم ينظر ويراقب ويوجه ويقوم السلوكات والنتائج.