حسنًا، يبدو أنني قررت إستخدام شعار "الجنون 101" شعارًا لهذا النوع من المقالات الطويلة والتي تشتمل على قتل وأمور مهمة مثل هذه، وأيضًا لأن هذا الشعار يمثل حالتي عند التحدث عن هذه الأمور، وفي النهاية أتمنى منك أن تتجنب الأخطاء الإملائية إن وجدت، وأستمتع!...أو لا...فقط أقرأ المقالة!

الإجهاض هي واحدة من اكثر المشاكل المثارة في العالم الغربي وعالمنا العربي، في الغرب يقوم النقاش حول الحرية والأخلاق والقانون والفلسفة مع تدخلات سياسية واقتصادية، بينما لدينا في الشرق الأوسط النقاش منتهي منذ زمن بفتاوي الشيوخ المعتمدة على حديث أو اثنين بحلال إجهاض الجنين قبل نفخ الروح أو قبل التخليق، وطبعًا وصل البعض الآخر لتحريمه تمامًا هكذا دون سبب سوى عدم جدوى قتل أي كائن حي دون سبب جيد، وهنا نحاول إستعراض الموضوع بكل الجهات التي أستطيع الإلمام بها، وبالتأكيد أطلب رأيك في الموضوع من كل النواحي.

الدين

مسألة الإجهاض في الإسلام تنقسم لجزئين، إجهاض بعد الشهر الرابع وإجهاض قبل الشهر الرابع، أما الإجهاض بعد الشهر الرابع فحرام إجماعًا إعتمادًا على الحديث الصحيح الذي رواه ابن مسعود مرفوعًا: { إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقه مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح }، هكذا إعتمادًا على نفخ الروح كمقياس لحرام من حلال، وأما قبل الشهر الرابع فينقسم الفقهاء بين الجواز مطلقًا، والجواز لعذر، والكراهية، والتحريم، وينقسمون أيضًا لمن يحرمه قبل الأربعين يومًا الأولى -اعتمادً على التخليق كمقياس لحرامه من حلاله-، ومن يحلله قبل الأربعين يومًا الأولى.

ويمكن مراجعة هذه الفتوى لأنها تضم شرحًام مفصلًا لبعض الأقوال:

http://fatwa.islamweb.net/f...

وأما في الدين المسيحي فالمحافظون من المسيحيين يصرون على تحريمه، أو أنك ستصبح قاتل ما فعلته، إلا لو كانت الولادة تمثل خطرًا على الأم، وهذا لأن الطفل خلق على صورة الله وأنك تقتل حياة كانت يمكن أن تكون إبنًا لله وإبنًا للكنيسة، ويمكنك مراجعة هذه الفتاوي المسيحية

http://st-takla.org/Coptic-...

في حين تضطرب البوذية أثناء ذكر الإجهاض لأنه ليس لديهم اي مصادر دينية له، كما أن طبيعة الغموض لدى الديانة البوذية لا تحدد وجهة إنطلاق للحياة الإنسانية فهي في وجود مستمر، لذا ليس لديهم سوى إجتهادات تترجح بين تحريمه تمامًا وبين السماح به في ظروف معينة.

وبالتأكيد يمكنك البحث في الانترنت للإستزادة عن أي دين، ويمكنك قراءة هذا المقال على ويكيبديا

https://ar.wikipedia.org/wi...

السياسة

يقوم الجزء الأكبر من النقاش الغربي حول الإجهاض على ثلاث أجزاء: بدء الإنسانية لدى الجنين، وحق الجنين في الحياة، وحق المرأة في التحكم في جسدها.

وبالتأكيد عند ذكر السياسة وقتل الأجنة والناس والقضاء على النسل فيجب أن نذكر هتلر وأمريكا وبرامج تحسين النسل لذا أرجع لهذا المقال إذا أردت أن تعرف كم من الممكن أن يقتل الناس البشر فقط لتحسين النسل وبالتأكيد الأمر ذاته ينطبق على الأجنة

وهكذا يمكننا تجنب الماضي الأليم والتحدث عن الحاضر الأليم أيضًا.

المصطلحات هي الجزء الأكبر من المشكلة، لما؟ لأنها تحرك مشاعر الشعب، ففي حين يتخذ الحزب المؤيد للإجهاض شعار "مؤيد للإختيار" والحزب المعادي لهم شعار "مؤيد للحياة" تتولد الصراعات الطائفية والمفاهيم المغلوطة، فالعقل البسيط سيفهم أن من يعادون "المؤيدين للإختيار" هم مناهضون للإختيار وضد الحرية، ومن يعادي مؤيدي الحياة سيفهم على أنه مناهض للحياة ومجرم، لذا يجب أن نهتم للمصطلحات التي نستخدمها ويستخدمها الناس حتى لا نقع في هذا الفخ.

في بحث لمعهد بحوث الأديان العام، وجد أن 7 من أصل 10 أمريكيين يعتبرون أنفسهم "مؤيدين للإختيار" وما يقرب من الثلثين منهم وصفوا أنفسهم بأنهم "مؤيدين للحياة" [1]

الآن ننتقل لأول جزء من النقاش وهو "الخصوصية" أو عدم تدخل الحكومة في شئون المواطنين الفردية، وهو أساس تقوم عليه الدول العلمانية الليبرالية مثل أمريكا وكندا، ويتضمن حرية المراة في التصرف فيما يحدث لجسدها، وهنا أقرت المحاكم الأمريكية "حق الخصوصية" في البنود الرابعة والتاسعة والرابعة عشر متوافقًا مع ميثاق حقوق الإنسان الكندي.

قضية "رو ضد وايد" من أشهر القضايا التي كانت هي القشة التي قسمت ظهر القانون الأمريكي والكندي، وجعلت من منع الإجهاض عمل غير دستوري يتعدى على حقوق المرأة وخصوصية الناس.

أما في بريطانيا فالإجهاض قانوني طالما تمت الموافقة على العملية من قبل اثنين من الأطباء مشهود لهم بالكفاءة والأخلاق، وللطبيب الحق في رفض إجراء العملية.

ربما الشئ الأكثر إثارةً للغيظ هو تشريع الإجهاض للتخلص من متلازمة مثل متلازمة داون، هل يجب الآن أن نقتل أولادنا لو أستطعنا معرفة الأمراض التي سيولدون بها؟ وكم من شخص ولد مريضًا أو أصيب بمرض وراثي وعاش حياة سعيدة، هل لو أستطعنا معرفة نسبة أن يمتلك اولادنا السرطان لن ننجبهم؟ هل لو عرفنا أن أبنائنا سيولدوا معاقين لن ننجبهم؟ هل يبدو هذا كسبب كاف للإجهاد حتى؟! شاهد هذا المقال:

http://feeltheliberty.com/i...

في مصر وربما بعض الدول العربية رغم تحريم القانون للإجهاض إلا انه يتم بشكل واسع، ولكن بسبب السرية التي تكتنفه وربما مراعاة القضاة لأحوال الناس الإجتماعية فينتهي الأمر عادة دون حكم قضائي، ويبدو ان الأمر سيتغير في السنوات القادمة وربما يحللوا الإجهاض في ظروف معينة.

نقاشات بيزنطية

سرطان الثدي: أدعى البعض أن الإجهاض يزيد من نسبة الإصابة بسرطان الثدي، ولكن رد العلماء أنه لا يوجد حتى الآن أي دليل على وجود مثل هذا الإحتمال[2] [3]

ألم الجنين: يدعي أغلب مناهضي الإجهاض أن الجنين يتألم، وبحث لعلماء في كالفيورنيا توصل إلى أنه من الأرجح أن الجنين يشعر بالألم بعد الشهر السابع (28 أسبوع من الحمل) [4]، ومن ثم تتوالى الأبحاث حول وضع تقديرات لشعوره بالألم مثل أنه يشعر به بعد الأسبوع ال26 والبعض الآخر بعد الأسبوع العشرين، ولكن لأن الشعور بالألم من الصعب التأكد منه في حالة الجنين، فعلى الأطباء إخبار الأم بأن الجنين قد يشعر بالألم، وقد يتم إستخدام التخدير.

الإجهاض يحل مشكلة الجريمة: وتنبع أغلب هذه الآراء بأن الإجهاض يخلصنا من الأطفال الغير مرغوب فيهم والذين عادة سيعاملهم آبائهم بطريقة سيئة، لذا فالأفضل التخلص منهم، وهو ما يشير هنا لبرامج تحسين النسل، ولكن سرعان ما يظهر أن هذا الرأي عنصري في حالة تنفيذه، بعيدًا عن إذا ما كان صحيح أم لا، ولكن هو كبيانات ودراسات يبدو منطقيًا.

فلسفة

من الناحية الفلسفية فالأمر يمكن تلخيصه في الحجة الفلسفية القادمة:

1- قتل الإنسان ممنوع

2- الجنين إنسان

3-قتل الجنين ممنوع

ولكن هذه الحجة تبدو ضعيفة جدًا، فقتل الإنسان غير ممنوع في بعض الحالات، مثل الدفاع عن النفس أو الإعدام بسبب قتله لشخص آخر -أو أشخاص-، لذا يجب أن يكون السبب قوي، والأسباب المتوفرة لدينا والتي تسمح لك بالقتل في أغلب المجتمعات هي: الدفاع عن النفس أو القصاص القانوني، وبما أن القصاص القانوني غير محتمل فلا يتبقى لنا سوى الدفاع عن النفس، فكيف تدافع المرأة عن نفسها بقتل هذا الجنين؟ حسنًا ربما لأنه تم إغتصابها أو انها لا تريده ولن يربيه أحد، كلها أسباب تبدو منطقية لداعمي الإجهاض.

هناك مشكلة أخرى تواجه هذه الحجة وهي تعريف الجنين على أنه إنسان، ومتى مثلًا يصبح إنسانًا له حقوق، وهي مشكلة صعبة وعويصة، وهي مرتبطة أكثر بكونه شخص، فما دليلنا على كونه شخص له حقوق، هل يكفي أنه سيصبح شخص في المستقبل لكي نضمن له حقوقه حاليًا؟ ولكن ما دليلنا على أنه سيصبح شخص؟ وما تعريفنا للشخص؟ ولذا يفضل البعض إستبدال كلمة "إنسان" في الحجة ب"أحد أشكال الحياة البشرية" ولكن هنا نعود ونقول مجددًا: ما هو تعريفك للحياة البشرية؟ هل فقط معنى أنه سيولد لأبوين بشريين انه أحد أشكال الحياة البشرية؟ اذًا لما ولادته لهذين الأبوين تعطيه كل هذه الحقوق؟

هناك بعض ممن أقترحوا حلول لتعريف الشخص مثل ماري آن وارن التي أقترحت 5 خصائص مميزة لتكون شخصًا سواء كنت إنسانًا ام لم تكن وهي (1-الوعي والشعور بالألم بدرجات معينة، 2- المنطق والقدرة على حل المشكلات، 3-الدافع الذاتي، 4-التواصل، 5-الوعي الذاتي والمفاهيم الذاتية وتكوين آراء شخصية عن الأشياء)، وكان شرط أن تكون شخصًا ان تمتلكهم كلهم، ولو أمتلكت واحدة فقط فأنت لست إنسانًا، ولا يخفى عليك كم المشكلات التي تعانيه والتي قد تسمح فيها بقتل الأجنة وحتى الأطفال والمرضى عقليًا.

ولسخرية القدر وجد بالفعل أن هنالك من يرون أحقية الجنين في الحياة لأنه لديه استعداد جيني ليكون شخص أي يكون "إنسانًا"، وهذا لأنه ولد لأبوين شخصيين، وهذه النظرية تسمى بنظرية "القدرات الطبيعية" أو "القدرات الفطرية"، بينما يطلق على نظرية وارن وأمثالها "القدرات التقدمية" لأن الأولى تعتمد على الإستعداد الفطري والطبيعي لدى الجنين لكي يكون إنسانًا، والأخرى تعتمد على صفاته بعض أن أصبح إنسانًا بعض أن أصبح إنسان، أي ان أصلًا الثانية ليس لديها نقطة بدء للإنسان، فطالما أنت لديك هذه الخصائص الخمس فانت إنسان، وأثبتنا عيوبها في الأعلى، بينما وجهة النظر "الفطرية" ترى أنه طالما لدى الجنين الاستعداد الفطري لكي يكون إنسان -وهو في هذه الحالة إمتلاكه لجينات بشرية- فيجب معاملته على أساس كونه إنسان، وله حق الحياة، ولسخرية القدر فإن النقد الذي تقدمه النظرية "الطبيعية" للنظرية "التقدمية" بأنها عنصرية وتفاضل بين الناس تواجهه هي بذاتها، فهناك بعض الأشخاص أضعف من الآخرين فطريًا -معاقون ذهنيًا-، ومشكلة أخرى تواجهها هي انها تبدو عنصرية وتعتمد في أساسها على التصنيف حسب الخصائص البيولوجية، كما أنها تواجه ضربة قوية لأساسها من نظريات "الهوية الشخصية" التي تقول أن الجنين لن يطور بنفسه الصفات التي تجعله يصبح بشري، وأن للبيئة دور في ذلك، وهذا يهدم نظرية "القدرات الطبيعية" تمامًا لأنه يقول أن الجنين لا يكفي أن يكون لديه الإستعداد الطبيعي ليصبح إنسانًا وأن هناك عوامل أخرى أهم، وبالتالي ليست هناك فائدة من إعطائه حق الحياة بناءً على أنه لديه الاستعداد فقط، ولكن يرد عليهم المدافعون عن النظرية الطبيعية بان هذه الحالات لا تعتبر "أشخاص" لأنها ليس لديها إستعداد طبيعي لتطوير قدرات نفسية.

وحجة أخرى تسمي ب"حجة ماركيز" لسبب وجيه وهو اسم ناشرها، والتي يدعي فيها أن القتل خطأ لأنه يحرم الشخص من مستقبل واعد وله قيمة، وبالتالي بما أن للجنين مستقبل واعد وفرص متساوية لأن يحصل على مستقبل واعد، فقتله يعد جريمة، وكما توقعت فحتى هذا الرأي يواجه عدة تحديات، منها أنه ليس لدينا دليل على أنه يملك مستقبل واعد، فربما هو طفل غير مرغوب فيه وسيتم رميه في القمامة، لذا من الأفضل إجهاضه لأن مستقبله لن يكون واعدًا، كما انها تواجه مشكلة وهي انها تدعي أن الجنين والشخص الذي سيحقق هذا المستقبل الواعد نفس الشخص، لذلك لا يجب أن نقتل الجنين، ولكن ليس لديهم اي دليل على ذلك ببساطة، كما أنها تصنع نوع من عدم المساواة فقتل شخص في التسعين لن يصبح مثل قتل طفل في التاسعة، وهذا لأن للفتى احتمال أكبر لمستقبل واعد أكثر من الجد والكثير من الهراء الذي تعاني منه أي نظرية فلسفية.

وأخيرًا ننتهي بحجة "الحقوق الجسدية" وكما يبدو من اسمها فهي تقف في صف "مؤيدي الإجهاض"، وهي حجة قوية قليلًا ومبنية على هذه القصة القصيرة "تخيل أنك استيقظت ووجدت نفسك بجانب عازف كمان شهير، هذا العازف فاقد الوعي ولديه مرض كلى خطير، أختطفتك جمعية محبي الكمان وربطوا جهازك الدوري بجهازه الدوري بحيث تعمل كليتك على تطهير الدم لكلاكما، إن قطعت الوصلات الآن سيموت، ولكن إن أبقيتها لتسعة أشهر سيعيش ويمكنك أن تنزع الوصلات كما تشاء". جوديث جاريف طومسون واضعة هذه النظرية، تقول أنك بالتأكيد سترى أنه يمكنك قطع الإتصال بينك وبينه في أي وقت، وسترى أن هذا حقك، وأن حق أي شخص في الحياة لا يجب أن يتعارض مع حقك في التحكم بجسدك، ولو أعتمد بقاء أي شخص على قيد الحياة على التطفل على جسدك فلديك الحق في أن تقطع الصلة بينكما حتى لو كان هذا سيقتله، لأنه ببساطة ليس من حقه أن يتطفل على جسدك، من الاعتراضات على هذه النظرية 1-أنها يمكن تطبيقها بشكل كامل على حالات الإغتصاب لأنها تكون بغير إرادة الأم بينما حالات الحمل الأخرى تكون بإرادتها -عندما مارست الجنس كانت مدركة لهذه الإحتمالية لوقوع الحمل- ولكن هذا الرد ضعيف لأنه ببساطة ما زالت في الحالات الأخرى "غير راغبة" في تحمل مسؤولية هذا الشخص، وهي الفكرة القائمة عليها النظرية كلها، 2- الجنين طفل المرأة بينما عازف الكمان رجل غريب (نوع من الواجب الأخلاقي)، 3- الإجهاض يقتل الجنين مباشرة بينما فصل نفسها عن عازف الكمان يتركه ليموت لوحده بطريقة غير مباشرة، وردود من المدافعين عن طومسون وردود من منتقديها لا تنتهي، حقًا الفلسفة عقدة لا تحل، يمكنك دائمًا الإستزادة بالبحث عن اي منها، او أن تجلس فقط مع نفسك وتفكر قليلًا في كل منها وتخبرني رأيك، هذا ما فعلته عندما توقعت أن يدافع أحدهم عن الجنين لأنه فقط ولد لأبوين بشريين وأكتشفت بعدها أن هذا الرأي موجود فعلًا.

الآن، خذ نفسًا عميقًا، هل أنت مستعد؟...ما رأيك في الإجهاض؟ هل توافق عليه أم تعارضه؟ هل لديك حجة تقنع بها أصحاب الرأي الآخر؟ ما رأيك في السياسات التي يجب أن تتبعها دولتك إتجاه الإجهاض؟ هل تتبع أصلًا دولتك سياسات مسبقة؟ هل ترى أن لديك ما تقوله عن الإجهاض ككلمة يصمت العالم أجمع ليسمعها؟


[1]

[2]

https://www.cancer.org/canc...

[3]

http://apps.who.int/iris/bi...

[4]