تضحي بأمها أم تعرض حياتها الزوجية وزوجها للضياع والفقدان؟

هناك قاعدة قانونية أن لا يضار والد بولده (لا أقول أنني أعلم كل حدود تطبيقها)، لكن لو استخدم الزوج سلطته أن يجعل زوجته لا تعمل فهو يضر أم زوجته بشكل مباشر وهذا سيء.

أتذكر أن الحجاج بن يوسف عندما اضطر أن يسجن أخاً لزوجته ووجدها حزينة على أخيها قام بتطليقها رأفة بها، وفي هذا معاني من الرحمة أن لا يمسك زوجته إضراراً في بيت لا ترتاح فيه.

في الموقف هذا أنا مع تصرف الزوجة تمامًا لأنها لم تترك عملها لهوى أو رغبة شخصية لكنها خرجت من باب الواجب والرحمة الأم التي تعبت وربّت لا تُترك في لحظة ضعفها مهما كانت الظروف هنا المسألة ليست تمردًا على الزوج بل وفاءً لأصل البر والإحسان والإنسانية الزواج لا يعني أن تنقطع المرأة عن أهلها أو تتخلى عن أمها المريضة خصوصًا إذا لم يكن هناك من يعولها غيرها تصرف الزوجة نابع من ضمير حي وليس من عناد ومن واجب الزوج أن يساندها أو على الأقل يتفهم الموقف الرحمة لا تتجزأ من يرحم أم زوجته اليوم سيرحمه أبناؤه غدًا اعتقد الحل ليس في ترك البيت ولا في العناد بل في التعاون والتفاهم ممكن يتفقوا على تنظيم الوقت أو أن يساعدها ماديًا لو رفض عملها لكن الأصل أن يقف بجانبها لأنها في موقف لا يُحسد عليه والرحمة هنا ليست ضعفًا بل شرف للطرفين هو في مقام والدته لماذا دائما يطلب الزوج من زوجته مساعده وخدمه والدته حتي من غير داعي لذلك من الطبيعى أن يساند زوجته الآن

بصراحة يا خالد، كلامك منطقي من ناحية الشرع، لكن لما نحط نفسنا مكان الزوجة، الصورة بتختلف شوية أحيانًا الظروف بتجبر الإنسان يختار بين واجبين، وكلاهما ثقيل الزوج عنده حق في رفض العمل، بس كمان صعب نلوم بنت شايفة أمها بتتألم ومفيش حد غيرها يساعد.

أنا شايف إن الموقف محتاج مرونة أكتر من "اتفاق البداية"، لأن الحياة دايمًا بتغير المعادلات اللي كنا حاطينها زمان.

"هو لم يصنع المشكلة، فلماذا يتحمّل مسؤولية حلّها؟"

قد يبدو هذا منطقيًا في ثقافة فردانية، حيث يُفصل الإنسان عن الآخرين، ويُحمَّل فقط نتائج أفعاله. لكننا لا نعيش في مجتمع فرداني. نحن نعيش ضمن نسيج اجتماعي تحكمه العلاقات، تتداخل فيه المشاعر، وتتشابك فيه المسؤوليات.

في حالة مثل عمل الزوجة لرعاية والدتها المريضة، حتى وإن لم يكن الزوج سبب هذه الأزمة، فهو جزء من العائلة، وبالتالي هو جزء من الحل. لا يمكنه الوقوف على الهامش، وكأن الأمر لا يعنيه. ولو عكسنا الأدوار، ووقع الزوج في ذات المصيبة، هل يقبل أن يقول زوج ابنته: "ليس من شأني… وشرطي أنك لا تعملي"؟ لا أظن أن أحدًا سيقبل بذلك.

القوامة ليست تفوقًا، بل مسؤولية. هي ليست ترخيصًا بالتحكم، بل التزام بالمساندة. أن يقدّر الزوج ظرف زوجته، ويقف إلى جانبها، هو من جوهر القوامة، وليس خروجًا عنها. قد تكون الظروف مؤقتة، لكنها تختبر المواقف وتكشف المعادن. أن تجد زوجة تقف بجانب والدتها المريضة، تعمل وتُدبّر، فهذا في ذاته مكسب لا عبء.

عندما نأتي لمسألة الطاعة، يجب أن نعود للعقلاء من العلماء، الأقرب فهمًا للسنة، وندرك أن الطاعة لا تعني الطمس، ولا الإلغاء. هي طاعة فيما أحله الله، لا عبودية مُقنّعة. بل إن في الشريعة ما يُجيز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها إن قَصَّر، ويُقدم المصلحة الراجحة على بعض القيود.

الشروط قبل الزواج لا تُغلق الباب أمام التفاهم. صحيح أن من حق الرجل أن يشترط، ومن حق المرأة أن تقبل أو ترفض، لكن الحياة لا تسير حسب الخطط دائمًا. الواقع متغير، والمصائب لا تخص غيرنا فقط. من قال إن كل شيء يمكن توقّعه أو التحكم فيه؟

حين تقول الزوجة "أمي ستموت" وتُجابَه بقول: "ليس من شأني"، فهذه قسوة. لكن أشد منها أن يُقال هذا الرد من الزوج لزوجته. حتى إن تقبلت الزوجة الوضع، فكيف ستعيش؟ أي احترام سيبقى في نفسها لزوجها؟ وماذا سيتعلم أولادها من هذا المشهد؟ أين الرحمة؟ أين الإنسانية؟ أي بيت سيبنى على هذه النبرة الجافة من المساومة؟

الاعتراض على عمل المرأة بدافع الغيرة، أو الخوف من الاختلاط، أو الحفاظ على الأولاد، كلها مخاوف مفهومة، لكن السؤال هو: هل هناك بديل؟ هل توفرت الظروف التي تجعل هذه المطالب قابلة للتطبيق؟ كثيرون يطرحون حلولًا مثالية حين تكون المشكلة عند غيرهم، لكن إذا وقعت عليهم، بحثوا عن أقرب مخرج وأقل خسارة لأنفسهم، ولو خالف ما نصحوا به غيرهم.

التشدد ليس حلاً. نحن نرى اليوم حالات طلاق بسبب أمور تافهة: تأخرت في فتح الباب، زارت أمها، تركت الشباك مفتوحًا. كل هذه أمور لا تستحق أن تنهار أمامها أسرة. الرجولة ليست فرضًا للسلطة، بل حكمة في التعامل مع الواقع. لا أحد ينكر أن على الزوجة حقوقًا، لكن الحياة لا تُدار ببنود عقد جامدة. العلاقات تُبنى على الرفق، والاحترام، والمراعاة.

عندما يمنع الرجل زوجته من العمل، غالبًا لا يفعل ذلك فقط بدافع المنطق، بل بدافع العاطفة. والمرأة حين تصر على العمل، أحيانًا لا تفعل ذلك بدافع التمرد، بل بدافع الضرورة. الأحكام الجافة لا تُصلح العلاقات، ولا تنجح إلا على الورق.

أما من يقول إن الأم العاملة تهمل أبناءها، فقد تجاهل الواقع. الأم التي تربي أبناءها على القيم، حتى وإن كانت غائبة عنهم لساعات، لا تقل في أثرها عن أم ماكثة في البيت طوال اليوم. بل كم من أم عاملة أنجبت لنا مهندسين، وأطباء، وعلماء؟ والعكس صحيح. كلا الخيارين له سلبياته وإيجابياته.

وإذا قالت الزوجة في لحظة انكسار: "سأترك لك الأولاد"، فهذا لا يعني أنها تريد التخلي عنهم، بل تعبير عن ألم دفين. وهنا يأتي دور التعقّل. الرد القاسي في هذه اللحظة قد يدمّر أكثر مما يُصلح. الجميع يندم بعد العاصفة، لكن من يدفع الثمن حقًا هم الأطفال، الأبرياء الذين لا ذنب لهم في كل هذا الصراع.

نحن لا نملك إجابات جاهزة لكل هذه التعقيدات، لكن ما نملكه هو قدرتنا على التفهم، والتفاهم، والنظر إلى ما وراء ظاهر المواقف. المسألة ليست مع أو ضد عمل المرأة فقط، بل كيف نُراعي بعضنا وسط متغيرات الحياة.