الشعور بالنجاح الافتراضي.. الكل ناجح على الإنترنت فقط

طبعا سيكون الشخص نفسه مدرك للتناقض الحاد بين ما يظهره للآخرين على مواقع التواصل وبين وضعه الحقيقي، لكن المشكلة في المتابعين الذين لا يرون سوى الصورة المثالية المرسومة امامهم، وبالتالي يشعرون أن هذه الملابس الفاخرة وهذه الأماكن الفارهة هي أمور طبيعية يجب ان يكون قادر عليها وبالتالي يكون ناقم على حياته

فعلاً صاحب الإنجازات الوهمية هو أول من يتأذى من التناقض الذي يصنعه لأن عقله يعيش في عالمين متضادين أحدهما حقيقي مليء بالضغوط والآخر مصطنع يحاول أن يصدقه وأحيانًا يبدأ في تصديق الصورة التي رسمها فيتعب أكثر عندما يكتشف أنه يعيش تمثيلية يومية لإرضاء الناس هذا الأمر قد يجعله يفقد قدرته على الفرح بالإنجازات الحقيقية لأن المقارنة الدائمة بين ما يعرضه وما يعيشه تجعل كل شيء في الواقع يبدو ناقص كأنه أصبح يقيس نفسه بعدد الإعجابات بدل التجارب التي عاشها فعلًا

أتفق معك أن المشكلة ليست في المنصات بحد ذاتها بل فيمن يصدّر نفسه كقدوة لكن الواقع أن أغلب المتابعين لا ينظرون إلى الجانب المفيد أو الإيجابي من المحتوى بل ينجذبون لما يثير الانبهار أو المقارنة السريعة كثيرون لا يبحثون عن الإلهام بل عن صورة مثالية يهربون إليها من واقعهم فيغرقون أكثر في الإحباط بدل أن يتعلموا أو يتطوروا المشكلة أعمق من طبيعة المحتوى نفسه إنها في طريقة استخدامنا له لو كان المتلقي يمتلك وعيًا نقديًا لفرّق بين النجاح الحقيقي والمظاهر الفارغة لكن حين يصبح معيار القيمة هو عدد المتابعين والإعجابات تضيع الفكرة الأساسية من وجود السوشيال ميديا كوسيلة معرفة وتواصل وتتحول إلى مرآة مشوهة تعكس عقد الناس بدل طموحاتهم

المشكلة الأكبر والأكثر خطورة ليست في الناجح الملهم أو التافه، بل في خوارزميات المنصة نفسها التي تفرض نموذجًا محددًا للنجاح غير قابل للنسخ أو التطبيق في الحياة الواقعية.

النظرة الموضوعية تدعو المتلقي إلى البحث عن القيمة والتعلم، لكن الواقع يقول إن الخوارزميات مصممة أساسًا لخدمة هدف واحد هو أقصى تفاعل ممكن، وهذا الهدف يخدم المحتوى الذي يُثير العاطفة اللحظية كالإبهار، او الغضب، أو الحسد، أو محتوى يُظهر حياة مثالية مزيفة فيها النجاح السريع، او الثراء المفاجئ او الجمال الخارق.

والمتلقي الصادق الذي يبحث عن الإلهام أمام خيار صعب إما أن يتابع ما يراه أمامه أو يبذل جهدًا استثنائيًا للبحث عن المحتوى القيّم الذي قد لا تدعمه الخوارزميات.

تحليل رائع فعلاً السوشيال ميديا فقدت جوهرها الأصلي وتحولت من وسيلة تواصل إلى ساحة منافسة صامتة أضيف أن المشكلة أيضًا في حاجتنا المستمرة إلى التقدير الخارجي الكثيرون لم يعودوا يبحثون عن التجربة نفسها بل عن التصفيق الذي يليها أصبحنا نعيش اللحظة بعين الكاميرا لا بعين القلب ما يجعلنا أكثر انفصالًا عن ذواتنا الحقيقية لو تعلم الإنسان أن يشارك ما يعجبه لا ما يظن أنه سيعجب الآخرين لاختلفت العلاقة مع المنصات تمامًا عندها سيصبح الوجود الرقمي مساحة للتعبير الصادق لا قناعًا نرتديه لنبدو أفضل مما نحن عليه

اتفق النضج والوعي هما خط الدفاع الأول أمام تأثير السوشيال ميديا على نظرتنا لأنفسنا وأضيف أيضًا الأمر لا يتعلق فقط بكيفية تعاملنا مع المحتوى بل بكيفية فهمنا لأنفسنا أولًا كلما كان الإنسان متصالحًا مع ذاته وواعيًا بقدراته وأولوياته قل تأثره بما يراه من صور براقة أو إنجازات الآخرين المقارنة تنشأ غالبًا من فراغ داخلي أو شعور بعدم الاكتفاء تقوية الثقة بالنفس والسعي نحو أهداف حقيقية يساعدنا على استخدام السوشيال ميديا بشكل نافع من غير ما تفقدنا توازننا

صحيح ما ذكرته التأثر بمحتوى الشبكات الاجتماعية أمر لا يمكن إنكاره حتى مع الوعي بخطورته العقل يتأثر بما يراه ويسمعه من دون أن يميز تمامًا بين الحقيقي والزائف لكن المشكلة أن الغالبية لن تستطيع اعتزالها لأنها أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية في العمل والتواصل والتسلية أعتقد الحل ليس في الابتعاد التام بل في تنظيم استخدامها بأن نختار ما نتابعه بوعي ونقلل الوقت الذي نقضيه أمامها ونملأ أوقاتنا بأشياء حقيقية تشعرنا بالرضا عن أنفسنا