من فترة قصيرة كنت اتواصل مع أخي الذي في الغربة ، نتبادل أحاديث بسيطة جدًا عن أمور يومية: غلاء الأسعار، أخبار الجيران، ذكريات طفولتي، أحداث وقعت عندما كنا صبياناً . كلام عادي لا يحمل أي عمق فلسفي أو حدث استثنائي، ومع ذلك أحسست أن الوقت يتباطأ بشكل جميل. كان في داخلي صوت يقول: هذا المشهد سيتكرر كم مرّة بعد الآن؟

في زحمة الدراسة والعمل ومشاغل الحياة، صرنا نتعامل مع وجود الأهل وكأنه أمر دائم، بينما الحقيقة أن الزمن يأخذ من رصيدهم ورصيدنا يومًا بعد يوم. لا أحد يُنبهك إلى أن جلسة الشاي العائلية، أو ضحكة عابرة من أمك، قد تصبح ذكرى تفتقدها أكثر مما تتصور.

أذكر أنني حين غبت فترة طويلة عن البيت بسبب الجامعة، عدت لأجد أن أبي صار أكثر هدوءًا، وأمي أكثر تعبًا، وإخوتي تغيّروا في تفاصيل صغيرة لم ألحظها من قبل. حينها أدركت أن غيابنا، حتى لو كان قصيرًا، يجعلنا نفقد لحظات لا تعوّض.

ربما لسنا مطالبين أن نكون بجوارهم طوال الوقت، لكن على الأقل أن نكون حاضرين بوعي، أن ندرك قيمة كل لقاء، وكل كلمة، وكل لحظة. لأن أسوأ شعور قد يرافقنا هو أن نكتشف قيمة هذه اللحظات متأخرًا، حين لا يعود بإمكاننا استرجاعها.

فكرت بعدها: هل نحن فعلًا نقدّر وجود أهلنا في حياتنا كما ينبغي، أم أن انشغالنا يجعلنا نؤجل الحب والاهتمام إلى وقت قد لا يأتي؟