كانت المرأة العربية، منذ فجر التاريخ، زهرةً نبتت في بساتين المجد، تتفتح على ضوء القيم، وتسقيها أنهار الحياء والفضيلة. لم تكن مجرد ظلٍ للرجل،

بل كانت شمسه وقت الغروب، وسكينته حين يعصف به التعب. كانت قصيدة مكتوبة بالحكمة، ونغمةً تعزفها الحياة كلما أرادت أن تهمس بالسكينة.

لكن النسوية الحديثة، تلك الرياح المسمومة القادمة من خلف المحيط، هبّت على مجتمعاتنا لا لتحرر المرأة، بل لتقتلعها من جذورها. قدّمت لها مرآة مكسورة،

وقالت: "انظري، هذا هو وجهك الجديد"، مرآة تعكس صورة باهتة لامرأة تائهة، تمشي بلا ظل، وتتنكر لأنوثتها كما يتنكر الغصن اليابس للماء.

جاءوا إليها بثوب الحرية، لكنه كان من خيوط دخان، لا يستر ولا يدفئ. قالوا لها: "تمرّدي"، فتمرّدت على ذاتها قبل أن تتمرد على الظلم.

قيل لها إن العطاء ضعف، وإن الاحتواء انكسار، فرفعت سيف الرفض في وجه قلبها، ومزّقت صفحات الطمأنينة التي كانت تسكنها منذ الطفولة.

في زمن مضى، كانت المرأة الشرقية كالبدر في ليل القبيلة، تهتدي بها العائلة، وتزدهر بحضورها البيوت. أما اليوم، فتُرسم كأنها نجمة في سماء غريبة، تضيء وحدها،

لكنها تبرد سريعًا، وتُطفأ من شدة العزلة. يريدون لها أن تكون صدى لا صوتًا، صورة لا جوهرًا، شعارًا لا إنسانًا.

أيُّ حريةٍ تلك التي تسلخ المرأة عن أمومتها كما يُنتزع الطفل من حضن أمه؟ أي تمكينٍ يجعلها تنسى أن عطرها الحقيقي ليس في العطور الفرنسية، بل في رائحة الحليب، في ضحكة طفل، في دفء بيت يُبنى بكفيها؟

النسوية الغربية لم تحمل لها إلا السراب، تركتها تركض خلف وهمٍ تلو الآخر، حتى ضاعت ملامحها، وبهت لونها، ولم تعد تدري إن كانت تُحارب من أجل كرامتها، أم تُستخدم كسلاحٍ لضرب أمتها.

فعودي، أيتها المرأة العربية، عودي إلى عرينك الذي منه خرجت الشمس، عودي إلى ثوبك المطرّز بالحياء، ووجهك المنير بالبصيرة.

كوني نخلةً تعانق السماء، ولا تقتلعك رياح الوهم من أرضك. كوني كما كنتِ: دفء الشرق، ونبضه، وعبيره.