إذا كان المحب لا يمل من تعدد المحاولات فأين كرامته هنا!

صراحة الشيء الذي ألاحظه في كثير من العلاقات من حولي هو أن الطرف الذي يتعلق بشدة، ويقدم التنازلات المبالغ فيها باسم الحب، غالبًا ما يكون مرتبطًا بشخص يرفضه أو يهدده بالرحيل عند كل خلاف بسيط، والغريب أن طبيعة الإنسان بشكل عام بغض النظر عن كونه رجل أو امرأة تجعله أحيانًا يتمسك أكثر بمن يعذبه أو يعامله بجفاء، كأن الألم يصير دليلاً على صدق المشاعر! لكن المفارقة العجيبة أن هذا التعلق يبهت غالبًا عندما يبدأ الطرف الآخر بمبادلته نفس القدر من الحب والاهتمام.

وهنا تنكشف الحقيقة، لم يكن الأمر حبًا متوازنًا بقدر ما كان محاولة يائسة لكسب القبول أو الشعور بالقيمة، لذلك التمييز بين الحب الحقيقي وما يشبهه لكنه يجرح الكرامة ممكن بالطبع، لكنه يحتاج إلى وعي وقلوب لا تغمض أعينها باسم الحب.

فأين برأيكم كرامة المحب اليوم، وكيف لنا أن نميز بين فعل الحب وآخر به مهانة للنفس!

على افتراض أنك تتحدث بشكل عام سواء كانت الكرامة في الحب للمرأة أو الرجل، فإن الكرامة في رأيي توضع أولا في كل شيء ولكن بين الزوج وزوجته هم ذو كرامةً واحدة فلا احترم من يحتقر زوجته أو يهينها لأتفه الأسباب والعكس صحيح لأن إهانته هنا مردودة عليه فلا يهينهن إلا مهين ولا يكرمهن إلا كريم.

وكذلك قد تجد مرأة متسلطة تريد التحكم بزمام أسرتها وعائلتها وتريد أن يدور الكواكب من حولها ظنا منها أنها تستحق ذلك.

هي أيضا وقعت في نفس الفخ فالجميع يزدري تلك الأفعال المشينة ويراها مسبةً لصاحبها.

وإن كنت تسأل كيف نميز بين التنازل من أجل الحب أو التفريط في الكرامة، فالموضوع سهل في وجهة نظري، إن ترتب على تنازلك أهانة أمام من تحب أو أطراف أخرى فهو بالتأكيد استغلال وليس حباً.

اود ان اتطرق إلى أنه هنا يجب أن نقسم الموضوع إلى جزئين، الأول هو الحب من طرف واحد قبل الزواج ، و الجزء الثاني لنفس الحالة و لكن بعد الزواج.

مرحلة ما قبل الزواج، هذه الحالة تعود إلى أشبه ما يسمى بالرغبة، إعجاب تحول إلى طلب زواج فإما أن يتم الرفض من قبل البنت او أن تقبله.

في حال الرفض ليس خطأَ ان تتم المحاولة من قبل الشاب مره أخرى و لكن بحدود المعقول الذي لا يجعه يتنازل عن كرامته، أما في حال القبول فستكون كارثة فيما بعد أنا و باسم الحب سيكون عبدا لها و أن يأخذ أذنها في كل تصرف.

مرحلة ما بعد الزواج: هذه الحالة تعتبر كارثة في حال حدثت بعد الزواج لإنه سيخسر كرامته وغير كرامته سيفقد دوره كأب و سلطته كزوج.

الزوجة في هذه الحالة ستتحكم في البيت بشكل كامل و سوف تلغي وجوده، و هنا يجب أن ننتبه أن الزوج ستكون خياراته محدودة و أقل بكثير من خياراته المتاحة لنفس الحالة قبل الزواج و إنه سيكون مرتبط هنا بالتزامات عائلية أمام الناس و مسؤولية الأبناء و الحفاظ على الأسرة.

الحب فعلًا يجب أن يقوم على الاحترام والتوازن فبدون ذلك تتحول العلاقة إلى عبء بدلاً من أن تكون ملاذًا وراحة ألاحظ في كثير من الأحيان أن الحب يتحول إلى نوع من التنازل المفرط الذي قد يفقد الإنسان كرامته وهذا يخلق حالة من التعب النفسي وعدم التوازن بين الطرفين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نضع حدودًا صحية تحمي كرامتنا وفي نفس الوقت تُمكّننا من إظهار الحب بصدق واهتمام؟ وهل يمكن للحب أن يستمر ويزدهر دون أن يكون هناك توازن حقيقي بين العطاء والأخذ؟

أعتقد أن الفطرة قد انتكست، برأيي الرجل والمرأة مفطوران على الكرامة والإباء، ومغزى ذلك أن يتلقى كل منهما معاملة تليق به، فالمرأة لا تقبل من زوجها أن ينتقص من قدرها في موضع الجد، أو أمام غرباء، كما أن الأصل في الرجل هو الاعتزاز بالذات، وربما يزيد على المرأة في محبة التقدم في المنافسة، وأن يكون لا يبارى أمام أقرانه، ويترفع عن كل ما يمكن أن يمس قدره ومكانته.

ففي رأيي ما يحدث اليوم أو حتى لو كان حدث في أزمنة سابقة فهو عدم توازن في ميزان المشاعر، وفهم خاطىء لطبيعة العلاقات بين الرجل والمرأة.

لدي إجابة، وأتمنى أن أستطيع أن أوصل الفكرة بشكلٍ صحيح.

المشكلة لدينا هنا ليست في الحب، وإنما في طريقة بَدْء الحب. لا شك أن ديننا لا يُحرِّم الحب، لكن مشكلتنا هي الحب قبل الخطبة والزواج.

وهي العلاقات المحرّمة والتعارف والخروج سويًّا. إلى الآن لم أشهد زواج أحد الأصدقاء بهذه الطريقة، وهنا يكون موضوع الحب خاطئًا، ويكون المرء متعلقًا فقط، وفي بعض الأحيان لا يستطيع أن يحدد: هل سيتزوج بها أم هي ستتزوج به؟ لكنهما متعلقان فقط.

لذلك، عندما نريد التحدث عن الحب، فسنقول: الحب في بداية الزواج.

ولو فرضنا أن هناك ما يهدد الكرامة من الزوجة أو الزوج، فالموضوع قد يرجع إلى محاولة عدم هدم بيت العائلة، ويكون أحد الأطراف هو من يقدم التنازل ليحاول أن تستمر العلاقة بأقل خسائر ممكنة

أعتقد أن المعيار هنا من منطق (تدليل الحبيبة أو الزوجة أو حتى الزوج) يأتي من مقياس الحب بين الطرفين ، فإن كان الطرف الثاني لن ينظر للأمر كما لو أنه حق طبيعي وأن التدليل المفرط ليس انتقاص من الحبيب أو حكم ملكية لتصرفاته [فلا بأس] لأن أحد أقوى درجات الحب يكون الأثنين منصهرين بالكامل في بعضهم البعض .. مجرد أن يشعر الطرف الثاني بالألم حتى لو بسيط ، فيشعر به الآخر بالمثل، فعندما يقوم بتدليله كأنما يدلل نفسه ، لكن بواقع الأمر أن أغلب العلاقات التي تصل لتلك المرحلة غالباً ما تفسد في مرحلة ما .. حينما يغالي طرف في التدليل وطرف آخر في اعتياد هذا التدليل .. فتصبح تلك الصفة ضعف وخنوع وقلة قيمة بمرور الوقت.

كل ما ذكرته يقوم به الكثير من الشباب مع البنات ايضاً.

ولكن ... من المهم إدراك الطرفين أن الحب والعلاقات السوية بعيده تمام البعد عن التحكم والسيطرة

العلاقات خلقت للراحة

واحياناً كثيرة أتسائل ( لماذا يستمر أى طرف فى علاقة مرهقة له ؟ )

لا يصح أن يُلغى الإنسان ذاته باسم الحب، ولا أن تُهدَر كرامته تحت شعار الإخلاص. نعم، قد يكون المحب صادقًا في مشاعره، لكن الحب الذي لا يُبنى على احترام النفس وتقديرها، حبٌّ معطوب لا يليق بالبذل ولا بالتضحية. أن تحب غيرك أكثر من نفسك لا يُعد نُبلاً ما لم يكن هذا الآخر يُحبك أكثر من نفسه. فالحب لا يُقاس بعدد المحاولات ولا بمدى التنازل، بل يُقاس بميزان الكرامة المتبادلة، والاحترام المتوازن. وإن لم تجد من يقابلك بذات العمق والصدق، فاستمرارك ليس دليل حب، بل إهمال لذاتك. لذلك، أقول: حب، ولكن لا تُهمِل نفسك. حب، ولكن حين تجد من يحبك أكثر مما تحبّه، حينها فقط يصبح العطاء من القلب لا عبئاً على الكرامة. أما غير ذلك، فحب النفس أولى، وأحق، وأوجب.