قد لا أؤمن بالحب من أول نظرة، وأراه مبالغةً، ولكني على الأقل أؤمن بأنه قد يحدث أحيانًا أن نلتقي بأشخاصٍ نشعر معهم براحة غريبة أو أُلفة من أول لحظة، وكأننا نعرفهم من قبل، دون سبب منطقي واضح. وبأن هذا الشعور لا يأتي من فراغ،

هذا الشعور وراءه عوامل نفسية وعصبية أعمق مما نتخيل. العقل الباطن مثلًا يلعب دورًا كبيرًا، لأنه يقارن بين هذا الشخص الجديد وتجاربنا القديمة، وقد يربطه تلقائيًا بشخص أحببناه أو ارتحنا له في الماضي.

حتى نبرة الصوت أو الابتسامة أو طريقة الكلام يمكنها فتح جوانب داخلنا تجبرنا على الإحساس بالأمان والانجذاب لهذا الشخص. وفي بعض الأحيان، يكون الأمر أبسط من هذا: ارتياحنا لهذا الشخص يكون نابعًا من مكونات شخصيته، كأن يُظهر صدقًا وعفوية وانفتاحًا وتقبلًا لغيره، إلخ.

وفي المقابل، قد تقف الحواجز بيننا وبين آخرين دون سبب ظاهر، نقول لم أرتح في وجوده وحسب، وكأن أنفسنا تستشعر اضطرابًا لا تفسره العيون، أو تنافرًا لا يُقاس بميزان العقل. فثمة إشارات دقيقة ترسلها الأجساد قبل أن تنطق الألسن، وثمة حدس خفي فينا يُدرك الزيف وإن تجمّل، وينفر من التكلّف وإن لُطّف. ولعلّ قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"،

فما برأيكم السبب الذي يجعل بعض الأرواح تتلاقى بانسجام صامت منذ اللحظة الأولى، بينما تنفر أخرى رغم خلوّ الظاهر من أسباب الجفاء؟