منذ أن تحوّلت الإباحية إلى "صناعة"، لم تعد مجرّد نزوة أو انحراف فردي، بل أصبحت مشروعًا عالميًا يستثمر في إدمان العقول وتخدير الإرادة. إننا أمام صناعة هائلة تُنتج سنويًا مليارات الدولارات، وتُسوّق نفسها تحت عناوين زائفة كـ"حرية"، "تسلية"، و"خصوصية"، بينما جوهرها أبعد ما يكون عن الحرية أو الإنسانية.
الإباحية ليست مجرد محتوى مرئي، بل مشروع طويل المدى لتفريغ الإنسان من أعماقه. فهي تُعيد برمجة الدماغ، وتُعيد تعريف العلاقات، وتُبدّد طاقة التركيز، وتُضعف مفاهيم الالتزام والانضباط. دراسات علم الأعصاب أثبتت أن المواد الإباحية تُحدث تغييرات في الدماغ تشبه ما تفعله المخدرات، إذ تنشط نفس الدوائر العصبية المسؤولة عن المكافأة، مما يجعل الشخص أسيرًا لنمط استهلاك متكرر ومتصاعد.
وما هو أخطر من الأثر البيولوجي، هو الأثر الوجداني والمعنوي: فالإباحية تفرّغ العلاقة الإنسانية من معناها، وتحوّل الطرف الآخر إلى "جسد" يُستهلك لا روح يُشارك. تضعف الروابط الأسرية، وتشوّه صورة الحب، وتخلق حالة عزلة داخلية رغم الزحام الرقمي. والنتيجة: جيل يشعر بالفراغ رغم التخمة، وبالقلق رغم "اللذة"، وبالاغتراب رغم "الانفتاح".
من الناحية المجتمعية، تُسهم هذه الصناعة في تكريس ثقافة الاستهلاك، وتفكيك منظومة القيم، وإضعاف إرادة التغيير. إنها تسرق من الشباب أعمارهم، ومن المجتمعات طاقتها، ومن الإنسانية فطرتها السليمة.
ولعلّ السؤال الأهم اليوم: ما الذي يجعل هذه الصناعة قوية إلى هذا الحد؟
التعليقات