لماذا نجاهد أنفسنا لنفعل الصائب والخير بينما لا نبذل نصف المجهود لنفعل الخاطئ السئ

لأن الخطأ في كثير من الأحيان يكون هو الخيار السهل. فإذا خيرت بين أن أكذب للخروج من موقف سيء أو أن أقول الحقيقة وأواجه تبعات الموقف، فالخيار الذي لا يتطلب أي مجهود مني هو الكذب بلا شك، لكن قول الحقيقة وتحمل العواقب هو ما يحتاج صبر ومجاهدة. ولذلك أنا أعتقد أنه من الطبيعي أن يكون الإنسان مائلا نحو الشر أكثر، ليس لأنه يستمتع بأذى الآخرين وارتكاب الجرائم وما شابه لكن لأنه يحب الطريق السهل ببساطة

مفهوم الفطرة يحتاج لتحرير، الفطرة تعبر عن اتفاق النفوس الغير مشوهة عن مدى حسن الشيئ من قبحه مثلاً صفات الصدق العلم الشجاعة الفطرة الغير مشوهة تدفعك لمدحها بعكس صفات مثل الجهل الظلم وهكذا، أما ميل النفس للخطأ فجزء منه تركيب في الطبع وجزء فتنة الشيطان وهذا سبب وجودنا في الحياة للاختبار وخوض هذا الصراع دائماً، ولكل اختبار نتيجة ولكل فعل جزاء.

نظن جميعاً أن البشر طبيعتهم الخير، وفطرتهم هي السواء والأخلاق، وهذا الظن شائع ونميل دائماً إلى أن نراه أقرب للصواب والحقيقة

توماس هوبز يرى عكس ذلك وأن الانسان طبيعته الشر وفطرته يطغو عليها الشر اكثر من الخير، فكرت كثيرا في كتابة مساهمة عن هذا الموضوع حول الخير والشر ولكن كنت دائما اتراجع بسبب ما قلته هنا، وليس لأن هذا الشائع وحسب بل هي الحقيقة التي مخالفتها قد تكون معارضة للفطرة السليمة.

فهل الصواب فطرتنا حقاً؟ فكرت في الأمر وقررت ملاحظة نفسي فوجدت أنه ليس كذلك بل نحن نجاهد لنكون في نطاق الصواب والأخلاق أي أنه مفقود نسعى لاكتسابه.

سأعطيك مثالا بسيطا، غالبا ستتفق معي أن الفطرة هي حب الولد لأمه.. والعكس أيضا، كيف نفسر اننا نجاهد انفسنا كثيرا لبرهما وطاعتهما واحيانا كثيرة يخفق الكثير منا؟

فبرأيكم لماذا نجاهد أنفسنا لنفعل الصائب الخير ولا نبذل نصف المجهود عندما نقرر فعل الخطأ ؟

فطرتنا سليمة في الحكم على الأشياء لا في القيام بها

(إذا لم نشوه فطرتنا) فالجميع يعلم الصواب والخطأ، حتى لو كان يقوم بالخطأ فهو يعلم أنه خطأ.

تخيل معي لو كان الصواب لا يحتاج الى مجاهدة؟ وان العكس هو الصحيح.. من سيدخل النار.. لالا بل لماذا الدنيا اساسا؟ ألن نكون أقرب للملائكة؟

هذا سيجعل حياتنا بدون معنى أعتقد، ألا تظن ذلك؟

في الواقع، قد تكون الفطرة هي الميل الطبيعي نحو الخير، لكن التطبيق العملي للخير يحتاج إلى مجاهدة. وذلك لأن النفس البشرية، كما وصفها القرآن الكريم، فيها صراعات داخلية بين "النفس اللوامة" و"النفس الأمارة بالسوء". فالخير يتطلب جهدًا لأنه يتعارض مع بعض الرغبات الفورية مثل الكسل، الشهوة، وحب الذات، بينما الخطأ يكون عادة أسهل لأنه يتماشى مع تلك الرغبات.

ربما العنصر الأهم هنا هو التدريب والتعويد على فعل الخير، فكما أن العضلات تُقوى بالتمارين، كذلك الحال مع القيم والأخلاق. هذا يوضح أن الخير ليس فقط فطرة، بل هو عادة تكتسب بالممارسة. هناك مقولة معروفة: "نحن نصبح ما نكرره باستمرار"، لذلك فإن فعل الخير يحتاج إلى تكرار حتى يصبح عادة وليس مجرد مجاهدة مستمرة.

أذكر موقفًا مررت به أثناء العمل، حيث كنت أواجه ضغوطًا لتسليم مشروع في موعد محدد. كان من السهل جدًا أن أختار الطريق الأسهل اختصار الخطوات وتجاوز بعض المعايير الصغيرة خاصة مع ضيق الوقت. ولكن قررت الالتزام بمعايير الجودة، رغم أن ذلك تطلب مني ساعات إضافية من العمل. في تلك اللحظة، شعرت تمامًا بما ذُكر في مساهمتك؛ فعل الصواب كان أصعب من التهاون، لكنه كان أكثر إرضاءً للنفس لاحقًا. هذا الموقف علمني أن الخير قد يبدو أصعب في لحظته، لكنه أسهل في نتائجه.

نحن نصارع اشياء غير موجودة .. الظلام لا وجود له .. تخيل ان الظلام هو غياب النور .. يعني لا وجود له من تلقاء نفسه .. لقد قيد الإنسان نفسه بعدم فهمه للخير والشر .. مراقبة النفس هي الطريقة الصحيحة للمضي في الحياة ولكننا لسبب غير معروف فهمنا أن مراقبة النفس هو الحكم على أفعالنا .. هذا صح وهذا خطأ .. ولكن كيف تفرق نفسك أن هذا صحيح وهذا خطأ .. البيانات الموجودة في عقلك هي التى تفرق لك بين الخطأ والصواب .. ولكن من أين أتت البيانات؟؟؟؟؟

مراقبة النفس هي أن تشاهد نفسك بدون تدخل .. يعني تكلم .. أمشي .. تناول الطعام .. أفعل كل الأشياء بدون أن تحكم هذا خطأ هذا صواب .. الاشياء التى تعتقد أنها خطأ أفعلها أيضاً .. راقب فقط .. ستندهش .. لن تخطئ أبداً في حياتك .. لأن الظلام يختفي بمجرد القاء الضوء .. الأشياء السلبية ستختفي من حياتك تدريجيا .. سيكون معك الضوء في كل خطوة .. والأغرب أنك ستفعل اشياء أنت في "النور" سيبدأ الناس في إنتقادك لا لأنك مخطئ .. بل لأنهم يرونك شجاعاً .. سيحسدونك .. لأول مرة ستصبح إنسان .. وفي طريقك لتصبح انسان كامل.

لأن في رأيي الإنسان ليس فطرته أن يكون خيّرًا أو شريرًا، بل بيئته وتربيته تساهم في خلق المفاهيم عنده، فالإنسان الشرير لا يفعل الشر في الأغلب وهو يرى نفسه شريرًا، كذلك الأمر في المستويات الصغيرة من الخطأ، أنت لم تقرر بعد البعد عن التكاسل/الحقد/ الكذب لأنك لم تؤمن بعد داخليًا انهم أفعال سيئة، وكما قلت تجاهد نفسك للأمر، البيئة والتربية في رأيي هي العامل الأكبر. وفي هذا الرأي اتفق فلاسفة أيضًا. غير الذين قالوا أن الإنسان خير بطبعه، وغير الآخرين الذي ادعوا انه يولد بصفات سيئة ويجبره القانون والمجتمع على الانضباط.

نظن جميعاً أن البشر طبيعتهم الخير، وفطرتهم هي السواء والأخلاق

اختلف معك فى ذلك, فإن هذا ليس بالضرورة هو الواقع الفعلي في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، في كثير من الأحيان نواجه مغريات أو مواقف تثير مشاعرنا السلبية مثل الغضب أو الحقد، وتجدنا مجبرين على مقاومة هذه الانفعالات بدلاً من أن نتصرف بشكل طبيعي وفقاً لما قد نعتقد أنه صواب. أحد الأمثلة التي قد نراها يومياً هو في مكان العمل، حيث قد نجد أنفسنا نتماهل في أداء واجباتنا أو نلجأ للتسويف رغم أننا نعلم أن هذا ليس الصواب. هذا يعكس أن الصواب ليس شيئاً فطرياً فينا، بل هو شيء نتعلمه ونسعى إليه رغم الصعوبات والتحديات التي نواجهها.

في الحقيقة مساهمتك تلفت النظر لموضوع مهم: هل الفطرة خيّرة أم شريرة؟

بالتأكيد فعل الخير يستلزم بعض الجهد، وهكذا كل الأمور الجيدة، أنت لا تنجح بدون مذاكرة، أو تنهي سباق جري بدون أن تتدرب على الجري.

هل ذلك يعني أن الإنسان لا يحب لنفسه النجاح؟ أو تحقيق الفوز في سباق؟ بالقطع يحب ذلك.

إذاً بذل الجهد في الخير لا يعني أن الفطرة تميل إلى الشر.

بدليل أنك إن تركت نفسك للكسل والتهور ستجد عواقب لن تسر نفسك، ولن تسر تلك العواقب فطرتك التي تحب لذاتها وغيرها الخير، الفطرة التي تصارع بشدة في مواقف الخطر لتنجو هي والمقربين إليها من كل ما يسبب الضرر.