التعلق بالاشياء والأشخاص طبيعي أم أنه يعكس حالة من الضعف وخلل في المشاعر ؟

أظن أن التعلق قد يكون طبيعيًا إذا كان متوازنًا ومبنيًا على الوعي بالنفس وحدود هذا الارتباط. وهذا التعلق لا بد منه ولا أعرف أحدًا استطاع التجرد من إنسانيته وألا يتعلق بأي شيء أو بأي شخص مطلقًا. ولكنه يتحول إلى خلل حين يصبح مصدر ألم أو اعتماد غير صحي يجعلنا نفقد استقلالنا العاطفي، وأظن أن هذا النوع من التعلق لا بد من ال تخلص منه، ولا حرج من طلب المساعدة المختصة إذا كان الأمر مستعصيا

التعلق هو حالة إنسانية طبيعية، ولكنه يمكن أن يصبح أحيانًا عبئًا ثقيلًا إذا لم نكن واعين لطبيعته وكيفية تأثيره علينا. في تجربتي الشخصية، عرفت ما يعنيه التعلق بشكل عميق عندما واجهت صعوبة في التكيف بعد فقدان علاقة هامة. كان التعلق بشخص معين يؤثر بشكل كبير على حياتي اليومية، مما جعل من الصعب عليّ التفكير بوضوح أو الاستمتاع بأمور أخرى في حياتي.

في تلك الفترة، وجدت أن التعلق ليس مجرد شعور، بل هو جزء من عاداتنا العقلية والعاطفية التي تحتاج إلى معالجة واعية. التعلق القوي قد يؤدي إلى حالات من القلق والاكتئاب عندما نواجه فقدانًا أو تغييرات. ووجدت أن العلاج النفسي كان له دور كبير في مساعدتي على فهم جذور هذا التعلق، وتعلم كيفية التعامل معه بطرق صحية. من خلال العلاج، تمكنت من تعزيز الوعي الذاتي وتحسين قدرتي على إدارة مشاعري بطريقة متوازنة.

إدراك أن التعلق يمكن أن يكون نقطة ضعف لنا قد يفتح الباب لفهم أعمق لاحتياجاتنا العاطفية وكيفية معالجتها بشكل صحيح. العلاج النفسي ليس فقط وسيلة للتعامل مع الألم، بل هو أداة لمساعدتنا في بناء مرونة نفسية تمكننا من مواجهة تحديات الحياة بشكل أفضل.

عادة لا أرى أن التعلق بأي شيء في الدنيا صحيح، لأن لكل شيء أو إنسان في الدنيا وقت وسيرحل، ووقتها لن يتألم أحد سوى الشخص نفسه، لذا تدريب النفس على ذلك سيمنع عنها أي تعلق مرضي قد يضرها بعد ذلك. خاصة ان التعلق قد يبدأ دون إدراك قد يبدأ الشخص منا بالاهتمام بشيء معين، مثل شخص محبوب، أو حتى حيوان أليف، أو فكرة تؤمن بها، ويزداد الاهتمام حتى يتحول إلى شعور عميق يصعب التخلص منه. هذه العملية تحدث بشكل تدريجي وغير محسوس في بعض الأحيان، وقد تتشكل بفعل تجارب الحياة والعادات المتكررة التي تربطنا بما نحب.

ما أن كانت شعور طبيعي أم خلل واحتياج مبالغ

التعلق شعور طبيعي، المشكلة تكمُن دائمًا في المبالغة فيه كأن يعتقد الشخص أن حياته بأكملها تتوقف على شخص معين!! هذا ما يعطي التعلق الغطاء السلبي الذي يظنه البعض من جوهر التعلق.

فالتعلق له أبعاد إيجابية كثيرة، كالتعلق بالعادات وهو ما يساعد كثيرًا في إنجاز مهام بسهولة، هذه المهام عند الغير قد تكون في غاية الصعوبة، كذلك الاستمرارية على هواية معينة.

حالة اكتئاب عميقة لمجرد أن قطه الأليف مرض

ذكرتني بأول تجربة مماثلة لهذه، عندما مرض أول قط لي ومات على إثر ذلك المرض، سبقت تلك الحادثة شهور من الصداقة معه ... نعم أتحدث عن الصداقة بالمعنى الحرفي لها، فقد كان فضوليًا جدًا ويشاركني كل الوقت بنظراته لما أعمل أو محاولة استكشافه لمكتبي أو الجلوس حولي في فترات انشغالي. عند وفاته حزنت حزنًا شديدًا وأول قرار أخذته حينها هي أني لن أتعلق بحيوان أليف مرة ثانية أبدًا خوفًا من تكرار تلك المشاعر مجددًا. بعد مرور فترة وبالتفكير العقلاني (البعيد عن تأثير الحزن) طيّب قلبي أني تذكرت أني لم أتخلَ عنه وسعيت في علاجه ولكنها الأقدار، ومع مرور الوقت أكثر، تعلمت أن هذه هي سُنة الحياة والأمر طبيعي، المشكلة لدينا في فهمنا الخاطيء لوردية الحياة. اكتب لك هذا وصديقي الجديد نشأت "قطي الجديد" يجلس بجواري.

التعلق في العموم هو شعور عاطفي بحت يعتمد على المشاعر في المقام الأول، أما عن تسلسله فكما قلت هو شعور وعاطفه ربما يحدث بسبب إيجاد الشخص أو الشيء الذي يتعلق به الفرد أنه يضيف إليه شيئا في يومه أو حياته.

التعلق هو شعور إنساني نبيل، فإذا رحل شخص نحبه قد نحزن عليه حزن قاسي لفقدانه، ونتذكره دائما في مواقف كثيرة وكيف كنا نتحدث معا، كل هذا شيء طبيعي، فالشخص الذي لا يحزن لفراق شخص يحبه يكون شخص قاسي الطبع.

لكن التعلق بشخص لدرجة الجنون به، وبعد فقدانه لا يتحمل العيش، فهذا شخص ربما لديه مشاكل النفسية التي كان يجب أن يجد لها علاج.

فالتعلق يتسلل بداخلنا دون أن نتمكن بالتحكم به، فكلما كان شخصين يستمتعان بالجلوس سويا زاد التعلق بينهم.

فنجد رجل كان عاقل ناجح ثم سلبه التعلق بفتاة عقله، وآخر كان في غاية السعادة فدخل في حالة اكتئاب عميقة لمجرد أن قطه الأليف مرض،

هذا مبالغ فيه كثيرًا، فهذا ليس تعلق طبيعي بل تعلق مفرط وقد يسبب اضطرابًا نفسيًا يحتاج لعلاج.

فما هي ماهية التعلق وكيف ينجح في التسلل إلى داخلنا دون أن ندري ؟

التعلق هو فعل طبيعي، فالإنسان إجتماعي بطبعه، فيحب كل ما يبعده عن الوحدة والعزلة، لكن هذا ليس مبررًا للاتجاه للتعلق المرضي الذي يؤذي الإنسان ومن حوله.

وقد يتسلل الأمر إلينا إذا كنا ننظر لشخص أو شيئ بطريقة غير التي هو عليها، ونعطيه أكثر من قيمته الحقيقية، وإذا كنا لا نترك مساحة كافية للحرية في علاقاتنا مع الآخرين فنقيدهم ونقيد انفسنا بتعلق مؤذي.