من تواضع لله رفعه، و من تواضع لإنسان لسعه و صفعه، فالتواضع يكون لله و ليس للناس، إذ أن الناس مبرمجون على اعتبار التواضع ضعفا و هوانا و ذلة، و أنا هنا لا أدعوكم إلى التكبر و التجبر و الغطرسة، و إنما أوجهكم إلى التواضع للمتواضعين و التكبر على المتكبرين، فلكل مقام مقال، و لكل صباح صبوح، و من حسب الناس سواءا فليس لحمقه دواء.

فقد تربينا في المنزل و المدرسة على الطيبوبة المفرطة و اللطف الزائد و التواضع المبالغ فيه، فلما كبرنا و اختلطنا بالناس في الواقع اكتشفنا أن هذا العالم يدار بالشراسة و الوقاحة، و أنه لا مكان فيه للمتسامحين المتساهلين، فمن لم يكشر عن أنيابه و يظهر مخالبه فستركله قطعان الأشرار و تدوسه حشود الخبثاء تحت أقدامها ليكون من الاسفلين.

و علينا وضع حدود لجهودنا تجاه الآخرين، و أن لا نبالغ في العطاء أكثر من اللازم، فليس الجميع يستحق طاقتنا، فحتى لو طبخنا للناس من لحوم أجسادنا و أكلوه فلن يعترفوا بجميلنا بل إنهم سيقولون: لماذا لم يطبخ لنا قلبه أيضا!؟، فالانسان بطبيعته ناكر للجميل إلا من رحم الله، فالعطاء ينبغي أن يكون في توازن و تواز مع الأخذ، فبقدر أخذك ينبغي أن يكون عطاؤنا.

و الحق يقال و دون أدنى مبالغة أننا إذا تعالينا على العامة و ترفعنا على الدهماء فسنفوز باحترامهم و تقديرهم، بينما إذا خفضنا جناحنا لهم فسيدهسونا تحت أحذيتهم، بل كلما كنا غامضين و مبهمين صعب على الأعداء تتبع مسارنا و الكيد لنا و اقتحام خصوصيتنا، أما إذا كانت أفواهنا مشرعا كالقرد فسنصير كتابا مفتوحا و ستصبح جميع أوراقنا مكشوفة.

و زبدة الكلام هي نتذكر بأننا إذا كنا هينين لينين فسيركب الناس ظهرنا، و يقتحمون خصوصيتنا ليجعلوها وكالة بلا بواب، و سنكون محاطون بـ سخريتهم و استهزائهم و تندرهم، و سنصبح بهلوان مجامعهم و مهرجين في ملتقياتهم، أما حينما نكون صارمين و حازمين فإن ذلك سيردعهم و يزجرهم عن التفكير في إلحاق الأذى بنا، فإظهار القوة يغني عن استخدامها.