أفاقت بلدتي الصغير البارحة على خبر مروع، انتحار رجل قيل أنه من خيرة رجال الحارة أين أسكن، وجد مرميا على أطراف أكبر سد في إفريقيا، سد بني هارون، قتلته الإيجابية المقنَّعة بأبهى حللها وأكثرها غدرا، فحسب كل معارفه كان رجلا لا تفارق البسمة وجهه حتى في أحلك حالاته، ولم يره أحد يوما إلا وهو يوزع الفرح والضحكات، والسؤال لماذا قد تقتل الضحكات رجلا بقلب يشهد الكل بروعته؟

إن الإيجابية نوعان، إيجابية واقعية وإيجابية مقنَّعة، وأغلبنا يقع في فخ الثانية، فيعيش في حرب مع نفسه، الإيجابية المقنعة الرومنسية الحالمة، هي تلك الإيجابية التي تجعلنا نحاول التشبث بصور وهمية عن الحياة التي نتمناها، بصرف النظر عن المعطيات والمتغيرات، فنتمسك بأقوال وأحاجي وأفكار وخيالات تريحنا في الوقت القريب لكن سرعان ما تتحول إلى خيبات لأنها ليس فيها من الصلابة ما يكفي لتستمر بنفس الكفاءة، مثل أن نكون في علاقة سامة منتهية، ونفكر بأن كل الناس ناقصين أو أن الحبيب سوف يتغير يوما مالا ويعرف جوهرنا الرائع ويعتدل، أو نتقبل مالا يجب تقبله لضعف منا ونقول أننا إيجابيين وننظر إلى نصف الكأس المليان، بينما الإيجابية الحقيقية هي أن ننظر إلى نصف الكأس الفارغ ونحاول كيف نملأه أو على الأقل نستمتع بالجزء الأخر دون إيجاب مبررات لنقصانه، الإيجابية الحقيقية هي أن ننظر لما وراء الكارثة لكن دون مع أنفسنا من البكاء على الخسائر، وأن نسعى فعلا بينما نمسح دموعنا أن نجد حلول أحسن، وليس أن ندعي الفرح والبهجة ونبين أنفسنا كأبطال لا يمكن كسرنا، الإيجابية الواقعية هي أن نتوافق مع الواقع المنطقي المدروس ونحترم شروط الفعالية الإنسانية، وننكسر عندما يحتاج الأمر لكن لا ندعي أننا الأقوى، بل ننهض من رحم المواجع والدموع في محيانا ونبحث عن الحلول .

في النهاية لا أريد اليوم شيئا سوى أن نكون إيجابيين بواقعية، فما هي أحسن طريقة لكي نكون كذلك في رأيك؟ وكيف نساعد من حولنا على أن يخرجوا من الإيجابية الرومانسية المقنعة المهلكة؟