بسم الله الرحمن الرحيم

الإرهاب النفسي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن من المحزن بالفعل أن نرى الغرب يستخدم الإرهاب النفسي بإفراط ضد كل من يدين الإجرام والإرهاب الإسرائيلي ويندد بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بالتتابع ودون توقف ليلاً كان أم نهاراً، وضد كل من يدافع عن حق الفلسطينيين في حصولهم على أدنى حقوقهم في العيش كحصولهم على الماء والطعام والوقود أو حتى يدافع عن حق الفلسطينيين في الحياة، وذلك أثناء أحداث طوفان الأقصى وحرب غزة.

ورأينا كيف أن الغرب يستخدم الإرهاب النفسي ضد من يعبّر عن رأيه ويكون رأيه مخالف لتوجّهات الغرب، فالتهديدات بشتّى العقوبات والضغوطات لا تتوقف ضد الجهات الإعلامية، لإجبارهم على تأييد اتجاه الغرب المتواطئ مع جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، والضغط المتواصل على الجهات الإعلامية بوصف حماس بالإرهاب، والغريب أنه في الوقت نفسه تُمارس إسرائيل جرائم حرب فظيعة يندى لها الجبين، فقتلت أعداداً غفيرة من الفلسطينيين منذ بدأت حرب غزة، وعلى حسب ما ذكرت الجزيرة نت عن الأمم المتحدة فقد دمّرت إسرائيل ما يقارب نصف مساكن غزة في شهر واحد فقط. فإن كانت حماس إرهابية لأنها أطلقت صواريخها التي لا تقارن بصواريخ إسرائيل، فكيف لنا أن نصف ما تفعله إسرائيل في غزّة؟ بقصفها المتواصل لغزّة بأحدث الصواريخ على وجه الأرض، وبقتل اضعاف ما قتلتهم حماس، أما الدمار الذي أحدثته حماس فلا يكاد يُقارن بالدمار الذي ألحقته إسرائيل بغزّة. فكيف لنا أن نصف ما تفعله إسرائيل؟ أهو إرهاب أم هو أفظع من الإرهاب؟ أهو فاشية أم نازيّة؟ أم إنه محرقة جديدة في تاريخ الإنسانية تمارسها إسرائيل في غزّة وعلى شعب غزّة بأكمله من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين؟ ولم تُستثنى من ذلك المساجد والكنائس والمستشفيات. إنه بالتأكيد إجرام حربي قلّ له نظير رأينا انعكاسه في الغرب وما أبدوه من وحشية مريعة بتأييدهم غير المشروط لإرهاب إسرائيل وإجرامها الذي ليس له حدود.

ورغم كل الإرهاب النفسي الذي يمارسه الغرب ضد المؤيدين لفلسطين وللفلسطينيين، ورغم منعه للمظاهرات المؤيدة لفلسطين ومنعه للرموز الفلسطينية، ولكن الكثير من الأحرار في شتّى أنحاء العالم لم يخضعوا للغرب وترهيبه، واندلعت المظاهرات في كل مكان وفي أوروبا بأعداد كبيرة. ولقد حاولوا بعض الأثرياء أن يُرهبوا طلاب الجامعات لمنعهم من إبداء آرائهم المؤيدة لفلسطين بتهديدهم بمنعهم من الحصول على وظائف وتهديدهم بالتشهير بهم.

وبدأ الغرب يلوّح بمعاداة السامية ضد كل من يُبدي استياؤه من جرائم إسرائيل ومجازرها ضد غزّة، ويتّهم كل من يُبدي تضامنه مع ضحايا إسرائيل في غزّة من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين بدعم الإرهاب.

لقد ظهرت حقيقة الغرب بوضوح الآن أثناء طوفان الأقصى وحرب غزة، ولن يستطيع الأعمى إلّا أن يراها ولن يستطيع الأصمّ إلّا أن يسمعها ولن يستطيع الغرب بعد الآن أن يواريها أو يخفيها بعد أن كشفها للجميع. وما كان التقدّم في بعض الجوانب الفكرية والأخلاقية التي أوهمنا الغرب بأنه حققها، من بعد الحرب العالمية الثانية، إلّا زيْف وخداع في معظمها. ولهذا فسيكون من السهل الآن على الغرب أن ينظر بإمعان إلى حقيقته ويحاول تغييرها فلا يُعقل أن يكون هناك إنسان سويّ يرضى لنفسه أن يحتفظ بمثل هذا القُبح في نفسه ويُقابل به الآخرين، فللغرب الآن أن يبدأ في رؤية الحقيقة التي كان يُخفيها في نفسه، وإلّا فإنه سيبدأ يحاول إقناع نفسه بتقبّله لهذه الحقيقة المشوّهة وبعدها قد يبدأ باتّخاذ ما يماثلها من مقابحٍ أخرى، ولن يكون هذا الأمر حكراً على الحكومات الغربية والحكّام الغربيين فقط بل سيصل إلى الأفراد من شعوب الغرب، وقد يُظهر من أيّد المجازر الإسرائيلية مقابحه دون خوف أو وجل بعد أن تم كشفها أثناء أحداث طوفان الأقصى وحرب غزة، وقد يقابل الآخرين بمثل هذه المقابح فيعانون منها من حوله صغاراً كانوا أم كباراً قريبين كانوا أم بعيدين، وقد يُؤذي الفرد منهم من حوله بهذه التشوّهات البغيضة التي في نفسه. فللغرب الآن أن يبدأ جدّياً بدراسة هذا التشوّه العظيم في نفسه وله أن يحاول إصلاحه قبل أن يُصبح ظاهراً تماماً للجميع دون أن يحاول أحداً أن يُخفيه... هذا والله أعلم.