"وأولئك الذين كانوا يرقصون، تمّ اتهامهم بالجنون من قبل أولئك الذين لم يسمعوا الموسيقى"!

بهذه الطريقة وصف نيتشه موقف أصحاب الأحكام المسبقة، الذين يتسرعون في تقييم شخص ما أو تفسير ظاهرة ما، عبر إصدار أحكام أولية متسرعة دون بحث أو تدبر لمعرفة حقيقة الأمر!

وللأسف يعاني معظمنا من تلك العادة، بعضنا يفطن لإرتكابه ذلك الخطأ المنطقي والغالبية لا يشعرون بوقوعهم تحت تأثير تلك المغالطة من الأساس!

وفي العادة تنبع الأحكام المسبقة من تفسيرات سطحية مريحة، لا تستدعي من الشخص أو الجهة التي تطلقها التفكير أو البحث وراء الحقيقة الفعلية..

ولذلك فإن أبرز سمات الحكم المسبق هي، مقاومته الشديدة للاختبار التجريبي المعرفي أو محاولة تناول موضوعه بأسلوب منطقي مباشر.. فهي تمثل الحاجز الأكبر بين الإنسان وبين ذاته المفكرة؛ إذ تسعى دوما لإخضاعه لسلطة البديهيات والمسلمات الفكرية الجاهزة دونما تدخل منه..

والخطير بالموضوع أن تلك الأحكام والتصورات المسبقة أحيانا ما يتم تداولها ونشرها، إلى أن تصبح إرثا معرفيا وثقافيا ببعض المجتمعات!

كأن تتفق مجموعة ما على نبذ مجموعة أخرى بالمجتمع؛ لمجرد أنهم ينتمون لعرق أو منطقة معينة، أو يتبنون أفكار معينة!

وأبسط مثال لذلك، رفض بعض الأُسر ارتباط ابنتهم بشخص ما، لمجرد أنه ينتمي لمحافظة معينة، أو أن أصوله تمتد لعرق معين!..وكأنهم قد أجروا بحثا شاملا، دفعهم لإتخاذ ذلك الموقف المسبق تجاه كل أبناء تلك المنطقة أو ذلك العرق!

وهكذا تبقى الآراء والأحكام المسبقة من أبرز عوائق التفاهم والتبادل الثقافي بين الأفراد والمجتمعات على حد سواء..

وبعد تأمل مطول بالوضع أدركت مرة أخرى أهمية كل من الإعتدال وإعمال العقل؛ فلنحاول قدر الإمكان ألا نتسرع في الحكم على الأشخاص والأشياء سلبا أو إيجابا دون بحث وتدقيق.

برأيكم، هل يمكننا تمييز الأحكام المسبقة؟ وكيف نُحصّن عقولنا ضدها؟

وهل سبق لكم أن تراجعتم عن حكم أو رأي لإكتشافكم عدم منطقيته؟!