في بعض الأفلام والمسلسلات التي تناقش الجاسوسية أو شبكات الجرائم المنظمة أو تتحدث عن زعماء الإتجار في المخدرات، نرى أنه لكي تتمكن الشرطة من الوصول لزعيم عصابة مثلاً او ما شابه فإنها تستغل موت أحد أفراد العصابة لتزرع شخص آخر شبيه له في العصابة مما يسهل أمر اكتشافها، وقد تم تناول هذا الأمر بشئ من الكوميديا في أفلام كثيرة، في الحقيقة لا أنوي الحديث عن تلك الأفلام ولا حتى عن العصابات، دعنا يا صديقي القارئ ندقق قليلاً في فكرة ..

"زرع شخص مكان شخص آخر لوجود شبه بينهم".

لأسهل عليك أمر التخيل ولأدخلك في الموضوع، تخيل أن لك جارٌ يشبهك تماماً وكأنكما توأمان وهذا الجار ذو منصب رفيع، وله معارف كثيرة في مختلف المصالح الحكومية والخاصة، هل قد تستغل تلك الميزة لصالحك والتخلي عن ذاتك لتفوز "أحياناً" ببعض التسهيلات التي قد لا تحصل عليها أبداً إن فعلت غير ذلك؟

‏ترى..هل الإنسان قد يقرر أن يعيش كشخص آخر ويستغني عن ذاتيته لكي يظفر ببعض مميزات هذا الشخص؟

هذا سؤال من ضمن أسئلة كثيرة بزغت في عقلي إثر قراءتي لقصة للروائي الإسباني رافاييل نوبوا..والقصة تقول:

"لَن أُسامِحْ أخي التوأم الذى هجرني لــ سِت دقائق في بطن أمي، وتركني هناك، وحيداً، مذعوراً في الظلام، مُستمعًا إلى القُبلات تنهمِر عليه في الجانب الآخر، ‏كانت تلك أطول ست دقائق في حياتي، وهي التي حددت في النهاية أن أخ سيكون الابن البكر والمفضل لأمي، منذ ذلك الحين، صرت أسبق اخي في الخروج من كل الأماكن : من الغرفة، من البيت، من المدرسة، من السينما

و في يوم من الأيام، ‏التهيت، فخرج أخي قبلي إلي الشارع، وبينما كان ينظر إليّ بابتسامته الوديعة، دهسته سيارة.

"ولأنني كنت دائما اخرج قبله" أتذكر أن والدتي، لدى سماعها صوت الضربة، ركضت من المنزل ومرت من أمامي، ذراعاها كانتا ممدودتان نحو جثة أخي لكنها تصرخ باسمي، حتى هذه اللحظة لم أصحح لها خطأها ابداً."

على الرغم من أن القصة تجنح إلى الخيال في شطرها الأول، حيث أنه من المستحيل أن يشعر الإنسان بالغيرة فور ولادته او قبل ولادته، وكذلك لا أجد مبرراً للغيرة وإن وجد فإنه سخيف للغاية، فكيف ستفضل الأم أحد التوأمين عن الآخر لمجرد أنه خرج قبل الآخر بست دقائق، وبما أنها لم تعرف أي أبناءها قد مات وأيهما لازال حياً.. كيف قامت بتفضيل هذا عن ذاك قبل ذلك؟ وكيف عرفت المولود أولاً من المولود آخراً؟

القصة رغم صغر حجمها إلا أن بها ثغرات كثيرة، ولكن لم يفشل الكاتب في جعلي أتأمل ذلك الشعور..الشعور بالغيرة التي عادة ما يشعر بها الأخوة في حال تفضيل الأب والأم لأحد الأخوة عن البقية.

لفتت القصة نظري إلى الأخطاء التربوية التي يقترفها الآباء في حق أبناءهم، مما يجعلهم يمتلئون بالعقد حيالهم وأحياناً بالكره، فإن لم تتم التربية بدقة شديدة وانتباه شديد لأصغر الأعمال والممارسات او حتى الأقوال، فإننا نغفل عن تشرُّب نفس الطفل لتلك الأشياء التي لا نلقي لها بالاً

وأنت ما رأيك، وهل قد تتخلى عن ذاتك أحياناً لتظفر بمميزات شخص آخر لوجود تشابه بينكما في الشكل أو الاسم؟