الكثير منا يظن أن في السفر إرهاق وشعور قاسم بالغربة والضيق والوحشة لا يضاهيه شعور، بالإضافة للإشتياق الشديد للأهل والوطن، بالنسبة لي فأنا أيضاً كنت أرى السفر بذلك الوجه وبما أنني لم أحظى بتجربة سفرٍ بعد إلا أنني أحب الإستماع لمن مروا بتلك التجربة الفريدة، وفي الحقيقة استمعت للكثيرين وهم نوعان.

النوع الأول: وهم من يسافرون لأجل العمل ولقمة العيش وهؤلاء في الغالب يحنون إلى وطنهم وأهلهم ويعانون التعب النفسي والجسدي في غربتهم تلك، خاصة أن معظمهم يسافر ليعمل في أعمال شاقة كالبناء والنقاشة والسباكة وما أكثرهم في الغربة.

وهناك نوع آخر وهم من لديهم فسحة في الرزق وليسوا مضطرين للسفر بغرض "لقمة العيش"، فهم يمتلكون بعض الرفاهية للسفر والتأمل في أعماق النفس، وهؤلاء هم أكثر من أحب الإستماع لرؤيتهم للسفر، فنظرتهم أعمق ويحكمون على تجربتهم بلا ضغوط.

ومن بين أكثر الكلمات التي سمعتها ووقفت عندها، كلمات الأديب الراحل محمد الماغوط حين تحدث عن السفر، فقال:

"سافر دون تردد، أنقذ ما تبقى من سنين عمركَ المهدور، سافر و سترى شعوباً غيرنا و تفهم معنى الإنسانية و الحياة،

ستعرف أننا لسنا أحسن شعوب العالم و لا أعرقهم، ستستغرب لطف سائق التاكسي و الشرطي و عامل المطار و موظفة ختم الجوازات أو حتى نادل كشكِ القهوة، ستستغرب أن فرقة مطافئ كاملة تأتي لإنقاذ قطة عالقة على حافة أحد الطوابق العالية من بناء مرتفع، و أن شرطي المرور يوقف مسير السيارات لتعبر أوزَّة مع صغارها "

تأملت تلك الكلمات بشئ من الشوق لهذا الحال الذي يصفه الماغوط والحسرة حين أقارن بين ما ذكر وما أعيشه بالفعل،

لكل شخص ظروفه الخاصة، البعض يفضل السفر إلى الأبد تاركاً وطنه لأن كفة العيش الرغيد تغلبت على كفة ما تركه في وطنه، فترك وطنه إلى الأبد دون النظر إلى الوراء.

وأظن أن محمد الماغوط في كلامه يقصد بالسفر، السفر تحديدا لأوربا، وأخذ يعدد المزايا فيقول في نفس السياق:

" ستتعلم إحترام غيرك لتنال إحترامهم، و ستخجل من تصرفات سيئة كنت تقترفها كبديهيات في وطنك كتجاوز الطابور، و دفع الرشوة و قبولها، و تخريب مقاعد الحدائق العامة و وسائل النقل، و إلقاء القمامة في الشارع، و التفاخر بقرابتك لمسؤول أمني من الدرجة العاشرة أو صداقتك لأحد أقرباء الحاكم من الدرجة الخمسين، و سرقة الكهرباء من كبل البلدية، أو سرقة بطة من بركة المنتزه"

لا يخلوا السفر كذلك من بعض الخسارات، كفراق الأهل وترك الأصحاب والذكريات، وهذا قد يؤدي بك إلى نتيجتين، إما أن تعود لوطنك مشتاقاً لما تركت وإما أن تظل على غربتك الذي وجدت فيها حياة أفضل تجعلك تنسى ما فارقت.

فقد تحدث الماغوط عن تلك النقطة وقال مؤكداً للنتيجة

الثانية:

"نعم سوف تشتاق للأهل و الأصدقاء و الكثير من الأشياء لكن لن تتمنى أن تعود يوماً لحياتك الموحلة السابقة بعد أن اختبرتَ بنفسك معيشة البشر كما ينبغي لها أن تكون و كما لم تتوقعها أن تكون، و إن عُدت، فستكون عائداً إما زائر أو ميت لا محالة، فلا تَلُم من هجرَ وطنه فلو كان وطناً ما تركه"

وسؤالي لك في هذا السياق..

كيف ترى السفر؟ وما هي المزايا التي تفوتنا في حالة عدم سفرنا؟