قرر ت منذ أيام وزارة الثقافةالجزائريّة التخلي عن اللغة الفرنسيّة في معاملاتها الإدارية، وقد ألزمت جميع مكاتبها باستعمال العربية حصرا عدا في الرسائل والمعاملات الدولية التي تحتاج إلى لغات أخرى، وبهذا تنضم وزارة الثقافة الجزائرية إلى وزارتين أخريين ألغتا استعمال الفرنسية في معاملاتهما الإداريّة العام الماضي، بينما معظم الوزارات الأخرى تبقي على استعمال الفرنسيّة لحد الساعة - عدا وزارة الدفاع -.

لكن، هل يمكن أي يُثمّن هذا الجهد من قبل هذه الوزارات الثلاث، أو أنه لا يعدو كونه رمزيات لا معنى لها ؟.

إذا اطلعنا على تاريخ الجزائر، فإنها تأثرت بفرنسا أكثر من أي دولة أخرى كانت مستعمرة فرنسيّة سابقة، وبحكم طول المدّة التي بقيت فيها فرنسا في الجزائر، - قرن و 32 عاما - وبفضل سياسات الفرنسة ومحو الهويّة التي اتبعتها فرنسا، خرجت الجزائر عام 62 من حقبة الاستعمار بخلفيّة ولسان فرنسي، وبكيان مدمّر وقاعدة تقوم على كل ما هو فرنسي.

وقد استقدمت الجزائر من الدول العربية في تلك الفترة خاصة من مصر وسوريا، أساتذة عرب لتعليم الشعب الجزائري اللغة العربية، وفي عام 1991، اصدر مرسوم يقضي باستعمال العربية في التعاملات الإدارية والتخلي عن الفرنسية، لكن ومن عام 1962 إلى حد الساعة، لا تزال الجزائر تقوم بإصدار كثير من الوثائق الإدارية باللغة الفرنسية ناهيك عن أهمية هذه اللغة في هذا البلد لإيجاد وظيفة ما.

عززت الجامعة الجزائرية من ترسيخ اللغة الفرنسية في الجزائر، فعلى نقيض المدارس والثانويات التي تدرّس بالعربية، تقوم الجامعات بفرمتة كل المصطلحات العربية وتستبدل كل شيء في عقل الطالب بمصطلحات فرنسية. ثم إن الأجيال الأكثر قدما، خاصة أجيال القرن العشرين، دائما ما تمجّد حقبة ما قبل العشريّة السوداء، أين كان للجزائر انفتاح كبير على العالم وكانت قبلة محبّبة للأوروبيين وذلك يقوم بشكل كبير على تلك الخلفيّة الفرنسيّة التي خرجت بها من حقبة الاستعمار، ليتغيّر كل شيء بعد العشريّة السوداء وتتراجع الجزائر كثيرا إلى الوراء، إلا أن اللغة الفرنسية لم تسقط عن عرشها برغم أنها تعدّ لغة أجنبية أولى في البلد وليست بلغة وطنيّة.

يتحدث الكثير عن لوبيات تقوم بتعزيز وجود الفرنسيّة في الجزائر، ولم تظهر الحكومات المتعاقبة أي نيّة في تغيير الواقع، وظل المسؤولون يلقون خطاباتهم بالفرنسيّة سواء في داخل أو خارج البلاد.

ولنعد إلى صلب الموضوع، كيف يمكن قراءة خطوة وزارة الثقافة وقبلها وزارة التكوين المهني ووزارة الرياضة؟.

يمكن أن يندرج الأمر تحت مسميين، أولهما هو ما يسمى بالـ"الجزائر الجديدة" التي يريد منها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن تكون مختلفة عن كل ما سبق، ثانيا، يمكن أن يندرج الأمر تحت مظلة رد الفعل عن الأزمة الحاصلة بين الجزائر وباريس بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شكّك في وجود أمّة جزائرية قبل الاستعمار.

لكن، ومهما تعدّد الأسباب، فإن مثل هذه الخطوات لا يمكن أن تؤتي ثمارها لسببين:

أولهما هو نقص الدافع القوي أو الإرادة القوية لتجسيد مثل هكذا مشروع، فإن أخذنا بعين الاعتبار كل المشاكل الإجتماعيّة التي يعاني منها الشعب الجزائري، فإن مسألة تغيير لغة بعض الأوراق ليست بالأهميّة بما كان بالنسبة له، ثم إن مثل هذه خطوة تعدّ لاحدث، حتى وإن ثمّنها بعض المتعصبين للعربية، في ظل كل ما يستجد على الساحة الداخلية الجزائرية والدولية التي تلقي بظلالها على كل الدول بمن فيها الجزائر خصيصا.

ثانيا، ذلك الرابط الذي يجب أن يصل الجزائري باللغة العربيّة "الفصحى" يكاد لا يوجد، فلعقود طويلة اعتمد الجزائري على لغته العامية وعلى اللغة الفرنسية كبديل عنها، بينما بقيت العربية الفصحى حبيسة الكتب والبرامج الدينية على التلفاز، شكل ذلك نوعا من الهوّة بين الجزائري واللغة العربية، وبفضل المدرسة الإبتدائيّة خاصة وبعض الزوايا في الداخل الجزائري، أصبح هذا المواطن قادرا على فهم اللغة العربية الفصحى "البسيطة" لكن غير قادر لا على كتابتها ولا على قراءتها، وهذا ليس انعكاسا لغياب هذه اللغة في هذا البلد لعقود فقط، لكن الأمر يعود إلى اعتقاد أو قناعة ضمنيّة بأن العربيّة ليست بلغة التقدم والتكنولوجيا. وحتى أن الطالب الجزائري الذي يدرس باللغة العربية يجد رفضا كبيرا من الجامعات الفرنسية التي تفضل الطلاب الذين درسوا بالفرنسية على الطلاب الذين درسوا بباقي اللغات ومنها العربية.

إذن ما جدوى مثل هذه الحركة من هذه الوزارات إن لم تتبعها إجرائات حقيقية واستعجالية لتعويض مكان اللغة الفرنسية بلغة متقدمة أخرى ؟.

هنا نشير إلى اللغة الإنغليزية، والتي لا تجد موطئ قدم لها في الجزائر تقريبا، فبعيدا عن المنفتحين على هذه اللغة، يجد كثير من الظلاب مشكلا معها، هذا ناهيك عن المواطن البسيط الذي لا يجيدها أصلا. وفي نفس الوقت لا تقدم المدارس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية أي برامج ثرية لتقوية هذه اللغة على حساب الفرنسية أو العربية. وهذا ما يعكس تقاعسا في استبدال الفرنسية بالانغليزية.

إذن وفي ظل المعطيات المقدمة، فإننا نجد أن قرارات هذه الوزارات وإن لم تتبعها إجرائات تجعل من استعمال اللغة العربية بسيطا في معاملات بسيطة ولا يمتد إلى أماكن حساسة كالجامعة وغيرها، فإن تعريب كل شيء لن يجدي نفعا البتة، لكنه سيقود إلى تخلف ما ورائه تخلف، فإن كانت الفرنسية لغة ميّتة، فإن العربية لغة ميتة بلميون ضعف.

ما رأيكم في كل ما قرأتم؟، وما هي نظرتكم إلى مشكل اللغة العربية في القرن الحادي والعشرين ؟