في وقت كان تفكيري مشغولا بمشاكلي التافهة ذكرتني سعاد بالمأساة الفضيعة في كل شبر من العالم، وحجم التعتيم والتجاهل اتجاه معاناة الانسان. اعتدت الاستماع إلى أغاني سعاد لكن لأول مرة أسمع أغنية بهذا الزخم من الأفكار الانسانية. طالما اعتقدت أن سعاد ماسي انسان يمكنه تقديم الكثير للفن والبشرية، صحيح أنني لا أرى الفن ملزما بالتغيير، إنه وسيلة لإعطاء المعنى والترفيه والروح، مثله مثل الدين، لكن الفنان الذي لا يدير رأسه عن معاناة الانسان، ينتقل من درجة الفنان إلى "إنسان".

https://suar.me/mKlwG

في أغنية "Je veux apprendre" تحكي سعاد ماسي عن ولادة المعاناة منذ انتظار الأم لابنتها لتفرح وتتخيل حولها زغاريد النساء، وفي الوقت نفسه تعيش خوفا رهيبا من زوجها، تخشى أن يطلقها، أو يعيد الزواج عليها.. بعد عامين يموت الأب لتنتقل الأم إلى دور المكافح لأجل أبنائها، أثناء كل ذلك ستسمع كلاما لاذعا من الجميع، ونظرات بطرف العين وتحقير لأنها فقط "بلا رجل"، بالنسبة لي كنت أرى ذلك في أعين النساء المتبجحات اللواتي كن تقفن أمام أمي بشموخ تتفاخرن بأزواجهن، وكل إنجازاتهن لا تتجاوز كونهن آلات للنسل.. تحاولن إبداء شفقة زائفة لأمي المطلقة، التي عاشت مكافحة لأجل أبنائها وقدمتني للعالم كما أنا الآن.. بالنسبة لي سأحاربهن دائما، ومازال هنالك متسع..

المرأة التي بلا رجل ستبقى دائما تحت الأنظار إذا خرجت من بيتها..

"كنت صغيرة بصح فهمت، بصح مليحة كون ماجيتش بنت، لوكان غير مت.."

لا تكتفي سعاد بالنحيب والبكاء وتنتقل في الجزء الثاني من أغنيتها لتحكي عن الأحلام. سأدرس وأتعلم، سأرسم.. سأرفع رأسي وأقول لا.. وأدافع عن الحق.

الأغنية في كلماتها واحساس سعاد رائعة جدا ولا يمكن اختزالها في نص، مليئة بالشعور، بالألم، بالحسرة، والآمال..

سعاد في أغنية واحدة تناولت العديد من القضايا الانسانية المهمة جدا، وصولا إلى وصف حجم المعاناة عند غياب الأب وافتقاد الحماية.

المرأة التي يتم إلزامها على الزواج، لتتحسس العجائز جسدها..

وصفت ذلك سعاد بتعبير دقيق كمحاولة لوزن الانسان وبيعه بالميزان.

المشكلة ليست مشكلة فيمينيزم أو تمييز جندري، هنالك إنسان يعاني بشدة لأنه يعامل أقل حتى من حيوان أليف، معاناة المرأة هذه تنعكس عليّ وعلى كل المجتمع. معاناة أمي طوال سنوات حياتها التي لن أسكت عنها..