انظر إلى عينيّ!

ودقق النظر… ماذا ترى؟

هل تلمح انعكاسًا داخليًّا لما أحمله أنا، أم إسقاطات مما يسكنك أنت؟

وربما الاثنان معًا… فالعين ليست مجرّد عضو يُرى، بل فضاء يلتقي فيه الداخل بالداخل، حيث يختلط اللاوعي باللاوعي، وتتماس الرغبات والخبرات والذكريات دون استئذان.

يكبر الإنسان ويتغيّر ويعيد تشكيل ذاته مرارًا، إلا العين…

فهي الوحيدة التي تبقى بحجمها الأول منذ الولادة، كأنها الشاهد الصامت على كل مراحل التحوّل، الحارس الذي لم يبدّل شكله لكنه امتلأ بالأثر.

العين لا تخون ولا تكذب،

فحتى لو حاول اللسان أن يختبئ خلف الكلمات،

وحاولت عضلات الوجه أن تتمسّك بثباتها…

تبقى العين النافذة التي تفضح الداخل وتعكسه بلا رتوش.

هي التي ترغب وتشتهي،

وهي التي تحب وتتلألأ،

وهي نفسها التي ترعد وتزلزل وتسقط مطرًا عند الحزن.

إنها العين التي تبتسم فتضيء الوجه،

وتندهش فتتسع كأنها تعود إلى دهشة الطفولة الأولى.

إنها الحقيقة الصافية… بوابة الذات، ومرآة الوجد، ونافذة المشاعر التي لا تعرف التزييف.

والآن…

انظر إلى عينيّ مرّة أخرى.

لا تدع بياض شعري يخدعك، ولا تآكل أسناني يشتت رؤيتك.

انظر عميقًا…

سترى ذلك الطفل الذي يسكنني منذ البداية،

طفلًا لم يهرم، لم يتغير، لم يفقد دهشته…

طفلًا يختبئ خلف كل ما أعطته الحياة وأخذته.

فالطفل الداخلي ليس مجرد ذكرى، بل هو البذرة الأولى التي لا تموت،

هو المصدر الأصلي للعاطفة، وللخوف، وللجرأة،

وهو الذي يطلّ عبر العين كلما سمحنا للذات أن تكون صادقة.

والآن… قل لي، ماذا ترى؟