كثيرًا ما يُقال إن القراءة وقود الكاتب، وأن القلم بلا كتاب سرعان ما يجف. لكن يراودني سؤال مختلف: هل هناك لحظة يصل فيها الكاتب إلى الاكتفاء، كأن المعرفة التي جمعها عبر السنين تكفيه ليمضي وحده؟

ربما بعد مئات الكتب، وبعد رحلة طويلة مع الفكر والتجارب، يشعر بعض الكتّاب أن ما تبقى ليس إضافة، بل تكرار لما عرفوه من قبل. عندها يتجهون إلى الداخل بدل الخارج؛ يبحثون في ذاكرتهم وتجاربهم الخاصة، ويكتبون من اليقين الذي استقر في نفوسهم، لا من الكتب التي يقرؤونها.

لكن هل الاكتفاء ممكن فعلًا؟ أم أن القراءة، مهما بلغنا من العمر أو التجربة، تبقى نافذة لا غنى عنها؟ حتى أعظم الكتّاب ظلوا يقرأون حتى آخر أيامهم، ليس فقط ليجمعوا معرفة جديدة، بل لأن القراءة في ذاتها تبقي الروح حيّة، وتذكّرنا أن العالم أوسع من يقيننا.

ربما يصل البعض إلى نقطة فتور مع القراءة، فيظن أنه اكتفى. لكن سرعان ما يظهر كتاب واحد يهز يقينه، أو فكرة تقلب ما اعتقد أنه حقيقة نهائية. وهنا يبدو السؤال أبسط وأعمق في الوقت نفسه: هل نكتفي فعلًا، أم أن القراءة مثل البحر… كلما غصنا فيه، اكتشفنا أننا ما زلنا على الشاطئ؟