صوت العلامة التجارية أم صوت الكاتب: أيهما نستخدم في الكتابة التسويقية؟

أرى أنكِ تحاولين صديقتي المزج بين نوعين من الكتابة قد لا يلتقيان في كثير من النقاط. الأدب، وعالم المال

هما لا يلتقيان من الأساس رغدة، وأنا لا أحاول المزج بينهما بَدَهيًا، كان هذا مثالًا افتراضيًا يا صديقتي لكاتب أصر ألا يتخلّ عن صوته وشخصيته الكتابية بأولوية وتجاهل صوت العلامة وما يلزم ذلك من تلون كامل أخفق هو في تنفيذه.

الكاتب المبدع هو من يتخيل نفسه مكان من يكتب إليهم، ويحاول توصيل الرسالة إليهم بلغتهم وإلا فليكتب لنفسه.

صحيح لكن ليس في المطلق! فالأدباء والروائيون يكتبون بهويتهم المميزة وبصوت أقلامهم الخالصة، وليسوا مُطالَبين أن ينسلخوا عن أسلوبهم لأن جمهورهم لا يتغير في كل مرة، بينما كُتاب التسويق إذا لم يكونوا على تكييف اللغة والأسلوب تبعًا لكل علامة تجارية وجمهورها المستهدف ، فهم لا يصلحون لأن يتخصصوا في هذا اللون الكتابي.

ولكن بشكلاً ما لا أجد فيه مشكلة كبيرة لأن الحل بسيط ولكن تنفيذه هو الذي قد ينطوي على بعض الصعوبة 

كلام نظريًا صحيح، وجيد مبدأ "مسك العصا من النص"، ولكن إن جئت لتطبيق هذا على أرض الواقع فستجد أن هذا الدمج خرج بقطعة إبداعية ساحرة ولكنها ستكون مدعاة للسخرية وبالأخص من الجمهور الذي كُتبت له.

كانت إحدى الزميلات هنا تتحدث عن مشروع استلمته، وظنًا منها أن ستبهر العميل بالشعر الذي اقتبسته وربطت بينه وبين الفكرة بطريقة إبداعية، لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال حين قال لها العميل: "الكلام ده مبيأكلش عيش يا أستاااذة".

لنقل أن النص يتحدث عن التسويق لشركة سيارات، لن يستطيع الكاتب توصيل الفكرة عن طريق الاستعارات المكنية والمجاز لشخص يفكر في شراء سيارة. هذا العميل المحتمل يفكر جديًا في دفع مبلغ من المال وأخذخطوة مهمة في حياته عن طريق هذه السيارة. نعم الكثير يتذكرون تاريخ اقتناء أول سيارة. هذا حدث مهم في حياتهم. هل تعتقد أن الاستعارات المكنية والأدب قد تشجع شخصًا على شراء سيارتي؟

الحل يكمن هنا في الدمج بين الأسلوبين بين شخصيتي الكتابية وبين هوية العلامة التي أتحدث عنها (بقدر معقول ومدروس )

هذا تحديدًا ما يجعل المشكلة كبيرة بخلاف ما تعتقد، وهنا مكمن المشكلة إذا اعتقد الكاتب المسوق أن شخصيته الكتابية لا ضير أن تمتزج مع هوية العلامة وصوتها ليكون له حضور، وهذا بأي قدر سيقلل إبراز صوت العلامة ويطغى على النبرة التي اعتادت أن تخاطب بها جمهورها، حضور الكاتب هنا يكون بالأفكار فقط أما الأسلوب والصوت فللعلامة فقط، وهذا يعتمد على دراسته لأسلوبها وصوتها وجمهورها المستهدف.

لما وقع الاختيار عليك لتنفيذ هذا العمل إن كان هناك هدف لدي المعلنين أو أصحاب المشاريع من إبراز صوتك خصيصاً للتحدث عن علامتهم؟

ليس من المنطقي أن يستهدف المعلنين إبراز صوت الكاتب الذي يوظفونه! لنفترض أني مسوق مبتدئ وقد نفذت عدة مشاريع ناجحة فقط لأن صوت العلامة التجارية التي عملت لديها كان يتطلب فصاحة أدبية وهو ما يتميز به قلمي مثلا يعني، وعندما وظفتني الشركة الجديدة محل المثال، اعتقدت خطأ أن صوتي الكتابي يجب أن يكون ظاهرًا دائمًا وتجاهلت شخصية العلامة الجديدة، وهكذا كانت النتيجة.

على الأقل أبراز أسلوبك الكتابي .. حينها يعد التخلي المطلق لأسلوب كتابتك هو بمثابة تخلي عن اهم ما يميزك حتى لو كان هناك أنحياز تام لصالح الموضوع الذي تكتبي عنه .

المعلنين يبحثون عن الأفكار التي تبرز هوية علاماتهم.

ملحوظة أنا لا أقول / لا يجب التخلي عن إبراز طبيعة الموضوع الذي أتحدث عنه

نحن لا نتحدث عن طبيعة الموضوع، بل عن "صوت العلامة التجارية" المعروف في عالم التسويق بمصطلح Brand Voice، ما الفرق إذًا؟ قد تجد علامتين مختلفتين تتناولان نفس الموضوع، لكن كل علامة منها تتناوله وفقًا لصوتها المميز ونبرتها التي اعتادت مخاطبة الجمهور بها، فالأولى صوتها يتميز بالجدية لذا على الكاتب أن يلتزم بذلك عندما يكتب، والثانية صوتها مرح فكاهي لذا على الكاتب أن يراعي الفكاهة عندما يكتب، بالرغم من أن الموضوع واحد، لكن الكاتب نجح في التلون حسب كل علامة، وفي الحالتين يستخدم أفكاره لا أسلوبه.

الكتابة الإعلانية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالكاتب وشخصيته ... هذه أمور تهم المجال الأدبي أما المجال الإعلاني فأمر آخر تماما

صحيح، لكن تبقى علاقة الأفكار التي يقدمها هي ما سيتحدث نيابة عنه بتميزه ككاتب إعلانات، تلك الأفكار التي استطاع أن يصغها فقط وفقًا لهوية العلامة وشخصيتها وصوتها الذي اعتادت أن تخاطب به جمهورها، وبالتأكيد وفقًا لأسس كتابة الإعلان التي أشرتَ إليها.

وظيفة الكاتب الأساسية تكمن في تحقيق التوازن بين هويته الكتابية وتلبية احتياجات العلامة التجارية

لا أعتقد أن تلك هي "وظيفة الكاتب الأساسية" عندما يتعلق الأمر بالكتابات التسويقية والإعلانات، يعني ما الداعي لأن يستغل الكاتب النص لإظهار هويته ولو كان هذا جزئيًا، فإنه سيطغى بشكل ما ولو جزئيًا على هوية العلامة التجارية وصوتها.

لا أحبذ أبدا فكرة طمس بصمة الكاتب لصالح أي عمل مهما كانت العلامة التجارية التي يريد العمل لصالحها،

الهدف هو اظهرا العلامة وليس الكاتب.

بصمة الكاتب فكريًا وإبداعيًا موجودة خلود، لكن بصمته من ناحية الهوية الكتابية الخاصة به هي ما يجب أن ينسلخ عنها في الكتابات التسويقية والإعلانات، لأن الهدف كما قلتي إظهار العلامة، والعلامة لها صوت خاص بها Brand Voice اعتادت أن تخاطب الجمهور به، والذي يجب أن يتوافق مع الصورة الذهنية للعلامة التي تريد تصديرها للجمهور، مثل الصوت الذي يعبر عنه شعار مرسيدس التي ينتظر منها جمهورها أعلى قيمة مقابل أعلى سعر.

دون التخلي عن مهاراته الأدبية

وما نفع مهارات الكاتب الأدبية تحديدًا في تحقيق الأهداف التسويقية لعلامة تجارية مختصة بالمال والأعمال، هذا ينافي صوتها، وما نفع مهارته الأدبية إذا كان يكتب لعلامة تبيع منتجات الأطفال مثلًا؟ وبالتأكيد علامة منتجات الأطفال لا تحتاج لصوت أدبي للتعبير عنها