القراءة قد تجعلنا نسافر الى مواطن لم نتوقع يوما أننا سنسبح فيها، بالحوار والمناقشة نكتسب الثقة ونتعلم الصمت، وبالمطالعة المتأنية قد نمتلك الشجاعة لننقذ الكاتب فيها تارة ونبتسم لعمق كلماته تارة أخرى، النقد الأدبي أكثر من كونه تخصص قائم بذاته هو فن قد لايفلح إتقانه الكثيرين.

حينما نستمتع بتقديم وجهات نظرنا وننقذ فيها أراء الأخرين، لابد علينا أيضا أن نتقبل أرائهم ونستمع إليهم، وكما أن الشخص الذي يرفض النقد لن يستطيع أن يقدم خطوة الى الأمام، ولن يستطيع قط الترقي، وقبل إنتظار نقذ الأخرين لنا لابد أن ننقذ أنفسنا أولا، أن نجلس معا بعد يوم طويل من العمل، نمدح ما قامت به ونقييم الثغرات التي وقعنا فيها تصحيحا لها ومحاولة لتحسينها في المرات القادمة.

النقذ الذاتي سلوك يقوم الفرد فيه بالنظر الى عيوبه الشخصية وأخطاءه، وبغض النظر من وجود دراسات نفسية تشير الى أن النقذ الذاتي المستمر قد يصيب الفرد بالإكتئاب ويقود الى العزلة الإجتماعية، إلا أنني أراه معيارا صحيا وإيجابيا أن يكون الفرد غير راضي الرضى الكامل عن ما ينجزه، دائما يبحث عن الأفضل والأحسن، لكن في نفس الوقت متقبل لما قام به من إنجازات تحققت وأخرى لم تتحقق.

في مجال الكتابة، كثيرا ما أنتبه لتعليقات التي تثير تفكيري، تلك التي تُنبهنا لشئ لم نتطرق له أو تنظر للموضوع من زاوية نحن لم نطلع عليها، ومع ذلك لا أظن بأنه كافيا لرضا الكامل عن هذه الذات، فمنا نراه نحن قد لا ينتبه له القُراء، لذلك دائما نحتاج لنقذ هذه الذات لتحسينها وصلاحها وليس لكسرها بالطبع، ولعل أغلبيتنا يتمنى أن ينشر مقالا نقديا نشير فيه لثغرات التي نرتكبها والمواضيع التي نطرحها، لو تجرأنا لفعل ذلك حقا على حسوب مثلا، تأكد كم من تعليقٍ صريح وحقيقي يعبر عنه الحسوبين هنا يشيرون لما نفلح في إنجازه وما نخطأ فيه، سواءا شكليا أو ضمنيا، حتى أحد أبرز كتاب القرن العشرين الكاتب أرجنتيني خورخي لويس بورخيس يتمنى حدوث ذلك في قوله: "كم وددتُ أن أكتب -باسمٍ مستعار- مقالاً قاسيا عن نفسي".

أسألك بصراحة عزيزي القارئ، هل تملك الجرأة لتنقذ نفسك؟، ما العبارات التي تقولها في حقها؟