باعتبار أن الكتابة شعور يتجسد عبر أحرف و كلمات تظهر للقارئ في قالب نهائي متجانس الأفكار والعناصر، غير أن بداياتها كانت مجرد تخمين، شعور، فكرة، رغبة للمشاركة ما يدور بداخلنا كًكُتاب من أفكار ومشاعر، ووسط هذه العملية الأشبه بسلسة تعمل على فك العقدة العالقة في تفكير الكاتب عن طريق إيصال الرسالة أو المعنى الذي يريد أن يفهمه القُراء من كل الأفكار المجسدة أمامه في النص، وبين الحين والأخر، نجد الكاتب يطرح على نفسه عدد من الأسئلة: ما هدفي مما قلته؟ لماذا أكتب بهذه الطريقة؟ ما الذي أسعى للوصول إليه؟ ماذا لو فهم القارئ غير الذي أريد أن يفهم بالضبط؟ ما الداعي لكل هذه التفاصيل و الغموض؟ ووسط هذه الدوامة من التساؤلات التي يجد نفسه غارقاً فيها، وليس هذا فقط، بل الأمر أعمق ليصل به لحد العجز في الاستمرار في الكتابة حتى يجد جوابا مقنعا لأسئلته، يتوقف لساعات يبحث عن سبب كتاباته التي تتولد بهذه الطريقة، ولماذا كلماته تتدفق بهذه الهيئة، هذا ما لا يعلمه القُراء عن الكُتاب، الكاتب ليس مجرد إنسان عادي كما يُعتقد، بل هو أشبه بمهندس لنفس البشرية يملك أفكار ومعلومات يريد أن يشاركها مع الغير، ويحلل طبيعة تفكير البشر بمعايشة واقعهم ومعاناتهم.
على سبيل المثال، القُراء لا يعلمون أن الكًاتب:
- يُفكر أكثر مما يكتب، الساعات التي يقضيها في البحث عن التوظيف الصحيح للكلمة والطريقة التي تصلح أكثر لتعبير عن المعنى بشكل أدق، فكلما أمسك الكاتب قلمه فهو في عالم جديد يكتشفه عبر الكتابة واختبار يمتحن فيه قدراته ومهاراته الفكرية.
- يراعي التفاصيل والأدق منها، قد تجده يعيد قراءة نصه عشرات المرات ومع ذلك لا تجد راضيا بشكل مطلق عن ما كتبه، ماذا نفهم من هذا؟ أن الكاتب أدرك دور الفعال والرسالة التي يحملها، لذا كلما تقدم الكاتب في الكتابة كلما أدرك أن هناك التزاماً تجاه قرائه.
- ليس كل ما يكتبه ينشره، بالرغم من انغماسه الدائم بالكتابة والساعات الطويلة التي يقضيها أمام شاشة حاسوبه إلا أن العديد من مؤلفاته مخبئة لا يعلم عنها أحد غيره ولم ترى النور بعد، وفي البعض المرات هو نفسه لا يعلم لماذا لم تنشر بعد، لكن في أغلب يراها غير جاهزة للنشر.
- الكاتب أثناء إنجازه للعمل، يخلق طقوس خاصة به" احتساء للقهوة أو الشاي، استماع للموسيقى أو أبيات من الشعر، الهدوء...ويختلف ذلك من كاتب الى أخر بحسب الشغف الذي يُولد حينها.
- مهوُس بالكتابة، قد يعتقد كل من لا يعرفه أنه مجنون حقا، قد تجده جالس لا يكلم أحدا، وفي الحقيقة منغمسُ يُفكر فيما كًتبه و فيما سيكتبهُ، أيضا قد تلمحه واقفا يبحث أين يدون أفكاره لأنه يًعي القيمة الكبيرة للفكرة التي تأتي ولابد منها أن تسجل في تلك اللحظة.
وانطلاقا مما ذكر سلفا، لو سئلنا قارئا واحدا ما الشيء الذي تحبه في ذلك الكاتب بالضبط ويجذبك إليه، لأجاب:
"أراه فيه نفسي التي عجزت التعبير عنها ولم أملك الشجاعة للاعتراف بها، درجة التشابه التي تتوافق معه تفوق توقعاتنا، نجده يبوح لنا بخطاياه ومخاوفه وأسراره، التي هي في الحقيقة سوى أسرارنا التي عجزنا التعبير عنها"، هذا ما يريده القُراء أن يروه في الكُتاب، فالمثالية المصطنعة، والعالم الوردي المليء بالأحلام لا يردونها، فمهما كان الواقع مُرا بالنسبة لهم إلا البساطة والعفوية هي الحقيقة التي يريدون التعايش معها.
وما لا يعرف القراء في الحقيقة أن الكاتب يسعى عبر كلماته أن يضع القارئ في محور ذلك الفعل وليس مجرد قارئ يستقبل أفكاره ويفهم ما يدور داخله، و هو الذي عبر عنه الكاتب والروائي خيري شلبي،
" الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ، إذ هو يضعك مباشرة في قلب الفعل الحيوي دون مقدمات، يحيلك إلي طرف أصيل في الفعل الفني الذي يبدأ تحلقه بمجرد وقوع بصرك على السطر الأول".
وماذا عنكم يا كُتاب، ما هو الشيء الذي لا يعرفه عنكم القارئ؟ شاركونا ببعض من البوح؟
التعليقات