أعتقد أن الواحد منا حين يسأل بصيغة "لماذا"، فهو يصل لإجابات دقيقة أكثر من أسئلة "ماذا"، وهذا ينطبق على القراءة، فنحن علينا أن أن لا نسأل "ماذا سوف نقرأ" لكن لنسأل "لماذا سنقرأه؟"، يعتقد الكثير من الناس أنهم سوف يستفيدون من أي شيء يقرأونه، ولكن في كتابه (فن الأدب) يذهب شوبنهاور إلى أن القارئ عليه أن يختار الأشياء التي يقرأها وتلك التي لن يستفيد منها، لعل الأعضاء قد يلاحظون حبي لشوبنهاور، وهو ينبع من أني انتقيته بعناية وأعطيته تفضيلًا بين غيره.
قراءات تضر بالجميع وأخرى تنفع الجميع
يستهل شوبنهاور كتابه فن الأدب بأن هناك ثلاثة أنواع من الكتاب:
النوع الأول
هو الذي لا يعطي القارئ قيمة أو فائدة حقيقية، فهو يأتي بأفكار من سبقوه ويعيد صياغتها بطريقة معقدة وصعبة الفهم من أجل أن يبين أنه يتمتع برؤية ما يجب أن تسترعي الانتباه، وأنه بأسلوبه هذا يضفي مزيدًا من العبقرية والمهارة على نصه، بينما لا يصل في النهاية إلا إلى معاني عادية، أو ربما يكتب عبارة لا يفهمها هو شخصيًا لأن شكلها يبدو رائعًا، آملًا أن القارئ قد يعثر لها على معنى، مهاجمًا بهذا أسلوب الفيلسوف (هيجل) الذي عاصره، وهو المعروف – حتى أيامنا هذه – بالتعقيد الشديد للأسلوب وصعوبة فهم ما يكتب، أو ربما استحالته!.
النوع الثاني
فيلسوف الكتب، وهو أكثر أفضلية من النوع الأول، حيث أنه يفيد القارئ بكونه يجمع بين العديد من أفكار المؤلفين – مع ذكر اسمائهم – ويفيد القارئ بالربط والتحليل، فهو يجعل القارئ يلم بموضوع ما عن طريق أفكار المؤلفين التي يجمعها في كتاب واحد عن هذا الموضوع، ثم يضع وجهة نظره الشخصية للأمر أو لا يضعها فهذه مسألة متروكة له، فائدة هذا الكاتب كبيرة، فبدلًا من أن يرهق القارئ نفسه في قراءة مصنفات كاملة، يمكنه أن يلم بالموضوع عن طريق هذا العرض الملخص والمبسط لكل هذه الأفكار.
النوع الثالث
الكتاب المؤسسون (المعماريون)، الذين يأتون بالأفكار الجديدة، والعبقريات الفزة، فيؤسسون النهج الفلسفي أو الفيزيائي أو الطبي الجديد، أمثال أرسطو ونيوتن وبوذا، هؤلاء الكتاب يذهبون إلى تبسيط ما يقولون، ويطرحون أفكارهم طرحًا ممتعًا، حيث يمررون عبقرياتهم إلى حيث تقشعر أبدان القراء، في سلاسة وهدوء، وبلا مفرقعات وعبارات اعتراضية وتهشيم للزجاج وصياح في مكبرات الصوت.
يقول (آرثر) أن هؤلاء هم أقلية نادرة جدًا تأتي كل حين، فيما يكون النوع الثاني أكثر عددًا منهم، بينما يتسم النوع الأول بأنهم الأغلبية الكاسحة!.
ماذا نقرأ؟
ما أن نعثر في أحد الكتب أن كاتبها ينتمي إلى النوع الأول علينا أن نغلق الكتاب في الحال، ونبحث عن غيره، لنطمح إلى قراءة ما كتبه المعماريون، دون أن نغفل أهمية ما قدمه فلاسفة الكتب من نفع عظيم لنا، وأن نقرأ لهم أيضًا.
ثم إن علينا أن نقرأ ما يتناسب معنا، فليس من الصواب أن أكون محبًا للطب بينما أقرأ في الجغرافيا راجيًا أن أستفيد منها شيئًا، يمكنني أن أطالع المقالات العلمية الثرية على الإنترنت حول هذه الأمور، أما الكتب الكبيرة وساعات القراءة الطويلة فيجب أن تكون في المجال الذي نحبه، فهو الذي سنستمتع بقراءته، ونستفيد منه ونفيد به.
وأنت ماذا تقرأ؟
كيف تصنف قراءاتك بين هذه الأنواع الثلاثة المذكورة؟
التعليقات