من منّا لم يقرأ في حياته على الأقل أحد كبار روايات الفانتازيا من أمثال مجلّدات نارنيا و سيّد الخواتم أو أغنية الجليد والنار وغيرهن كثير، أكيد أن معظمنا استمتع بتلك العوالم الجميلة التي اخترعها كل من تولكن ومارتن و لويس، هي عوالم خياليّة تشترك مع العوالم الخيالية المستهلكة الأخرى الكثير، كالجن والأقزام والسحر والساحرات والغيلان والشعوذة، إلا أن تفرّد هذه الأعمال ومثيلاتها التي تنتمي معظمها إلى القرن الماضي لا يشق عنه غبار.

استطاع تولكن في ثلاثيته العظيمة إضافة إلى الهوبيت أن يخلق عالما أضيف إلى مفاهيمنا اللاواعية وكأنه عالم موجود حقا يدعى بالأرض الوسطى تسكنه الغيلان والهوبيت والسحرة، عالم من كثرة جماله وتفرده ظل حيّا منذ 1954 حتى الآن، وكذلك فعل سي أس لويس الذي هو صديق تولكن بالمناسبة بكتابة سلسلة روايات نارنيا التي استطاعت بجماليتها الفريدة أن تخرج الأطفال الأوروبيين وقتها من جحيم الحرب العالمية وتأخذهم إلى عالم ساحر وأخاذ بكل معنى الكلمة فيه الحيوانات الناطقة، الخيّرة والشريرة، فيه الجميل والقبيح، والخير ينتصر في النهاية (رغم أنه لم يخلو تماما من تلميحات تجبر الطفل على التفكير قليلا كعدم عودة سوزن إلى نارنيا فيما بعد لأنها كبرت ولم تعد تؤمن بنارنيا في تلميح إلى تدنيس البلوغ لنفسية الأطفال البريئة).

ثم أتى جورج مارتن ليكتب أعظم ملحمة فانتازيا في الوقت الحاضر. أغنية الجليد والنار التي اكتسحت العالم حتى قبل صدور السلسلة المشهورة لعبة العروش المأخودة من الروايات. وقد اعترف مارتن بأنه متأثر جدا بتلوكن وبروايات سيّد الخواتم، رغم ذلك أطلق مارتن العنان لخياله ولم نر كثيرا ذلك التشابه بين العملين.

وبين هذا وذاك خرجت ملحمات فانتازيا كثيرة لم تقدر أن تصل إلى نفس المستوى الذي وصت إليه الأعمال المذكورة أعلاه، رغم أن الجميع استخدم نفس العوامل في كل القصص، الخيال والسحر والقوى الخارقة والوحوش والجنيّات.

وفي خضمّ كل هذا، لفت انتباهي مؤخرا الكمّ الهائل من روايات الفانتازيا التي صدرت في العالم العربي. هو عددأقل ما يقال عنه أنه فاحش بأتم معنى الكلمة، وقد فاقت كتب الرعب (الدرجة الثالثة) عددا بكثير.

هي كتب تشترك حتى قبل أن تغوص فيها، في نفس العنوان، كمملكة كذا، وارض كذا، و قزم كذا، وجنيّ كذا، ثم يرفق باسم غريب عجيب، وحينما تأخذ نظرة عن المحتوى تجده تافها وعلكا صدئ بطريقة مستفزّة، نفس الأفكار القديمة ونفس الكيانات تتردد في كل قصّة لا حبكة ولا هم يحزنون.

أحيانا أرمي باللوم على دور النشر التي تنشر فقط لملأ رفوفها، وأحيانا ألوم الكتّاب أنفسهم لطرحهم أعمالا إلى السوق لا أظن بأن انفسهم واثقين من قوّة أعمالهم، فيقبرون أعمالهم ويسيؤون إلى الرواية العربيّة.

أظن أن التحدي الحالي يكمن في تقديم أعمال فانتازية تتميز بالأصالة والإبداع، والابتعاد عن التكرار الذي يمكن أن يفقد القصص قيمتها وجاذبيتها. من المثير أيضًا متابعة كيف يتطور هذا النوع في العالم العربي وكيف يستطيع الكتّاب تحدي الصعوبات وتقديم قصص ملهمة وفريدة وليس الكتابة من أجل ملأ الرفوف.

لم أكتب هذا المقال لتثبيط همّة أي كاتب مبتدأ لأنني كاتب مبتدئ أيضا، إلا أن علينا جميعا أن نملكا وعيا ناضجا يذهب بنا إلى الاتيان بثمار طيّبة وليست حامضة، وذلك يخدمنا أيضا ولا يخدم القرّاء فقط، فمن يقرأ رواية جميلة يتذكر اسم ذلك الكاتب حتى يعود إليه لاحقا ويقرأ أعماله القادمة، أما الأعمال الغير مدروسة بشدّة فإنها تؤذي سمعة الكاتب وتملأ السوق من فراغ.