قوة عقلك الباطن، القوة التي تدمر العقل الواعي

أكره هذه الموضوعة ولا أعرف إلى اليوم كيف نصدّقها وندفع أثمان هذه النوعية من الكتب، لا أقول ذلك إلا من زاوية شخص أمضى وقت طويل في مطالعة هذا الموضوع إلى أن تأكّد بأنّ لا جدوى من الاستمرار في هذا الأمر لكثرة عيوبه، أحد العيوب هو أن العقل الباطن يمكن اعتباره قوة غامضة ولا يمكن السيطرة عليها، هكذا يُوصف في الكثير من الكتب، هذا يمكن أن يقود الناس إلى الاعتقاد بأنهم عاجزون عن تغيير برمجتهم اللاواعية وأنهم تحت رحمة أفكارهم ومشاعرهم اللاواعية، أي يمكن أن تمنع الناس من تولي مسؤولية حياتهم.

عيب آخر هو أن العقل الباطن يمكن اعتباره مستودع للأفكار والعواطف السلبية، أيضاً هذا ما يُقال للناس، بأنّ العقل الباطن أوسع من كل شيء، يمكنه تخزين كل شيء، هذا يمكن أن يقود الناس إلى الاعتقاد بأنهم بحاجة إلى "إصلاح" عقلهم الباطن من أجل أن يكونوا سعداء وناجحين، وهنا يأتي التكسّب بالنسبة لروّاد هذا المجال، قد تكون هذه مهمة شاقة ومرهقة ويمكن أن تدفع الناس إلى الشعور باليأس والإحباط والخوض في كورسات وكتب كثيرة تستنزف المال دون أي مقابل.

الطريقة التي يتم بها تصوير العقل الباطن في كتب التنمية البشرية لها تأثير كبير على كيفية رؤية الناس لأنفسهم وإمكانياتهم، من المهم أن تكون على دراية بالعيوب المحتملة، وأن يبحث القارئ عن الموارد التي تقدم رؤية أكثر توازن وواقعية برأيي.

العقل الباطن يا خالد، كما أفهمه أو أحب أن أعرفه تعريفاً شخصياً، هو وضع الطيار الآلي للعقل.

كلنا مبرمجون منذ الطفولة على طريقة تفكير معينة، إذا تركناها دون تدخل، فإنها ستلازمنا طيلة الوقت. هذا ما يفسر كيف أن بعض الناس لو راقبوا أفكارهم اليومية، لوجدوا أنهم يفكرون بطريقة سلبية تجاه كل شيء تقريباً حتى لو كانت الأحداث إيجابية، ودائماً ما تتجه عقولهم للتفكير السلبي المفرط بحكم برمجة سابقة متأصلة في عقولهم، تم تغذيتها من الأهل والأصدقاء والمجتمع المحيط ومن عدم مراقبتهم لتلك الأفكار والمشاعر، وتجنب أو إهمال اتخاذ خطوات جادة بهدف إعادة برمجة العقل الباطن، والعقل الواعي، بما يخدم حياتهم الشخصية والمهنية بدلاً من عرقلتها.

بناء على ذلك، لاحظت على المستوى الشخصي كثيراً من أنماط التفكير والسلوكيات التي أقوم بها بشكل أوتوماتيكي دون تفكير، حتى التفكير نفسه، حيث كان عقلي ينحو، وما يزال ببعض المطارح، تجاه مسارات حين تنبّهت لها اكتشفت الكثير من وجوه القصور، وأدركت أن هناك برمجات سابقة ما تزال تؤثر سلباً على تقدمي في مختلف النواحي. وذلك كله بفضل برمجة العقل الباطن السابقة، التي سنظل ندور بفلكها ما لم نبدأ بإعادة برمجة طريقة تفكيرنا بما يخدم حياتنا وأهدافنا - وهذا ما بدأت بفعله منذ زمن، وما أزال أحاول يومياً مراقبة الأفكار بحيث لا أدع التفكير السلبي يفرض نفسه على عقلي عنوة، بينما أعزز التفكير الإيجابي الذي تمكنت بفضله من تجوز منعطفات خطرة عدة خلال سنوات طويلة.

أسطورة العقل الباطن هي مفهوم غير علمي وغير واقعي من وجهة نظري، فهي تزعم أن العقل الباطن هو مصدر للقوة الخارقة التي تحقق كل ما نرغب به. وهذا يتعارض مع المنطق والحقائق التي تحكم حياتنا. فالعقل الباطن ليس سحرًا أو معجزة، بل هو جزء من عقلنا، له قدرات وإمكانات كبيرة، لكنه يحتاج إلى التوجيه والتدريب والعمل الجاد لتحقيق الأهداف والأحلام. فلا يمكن للعقل الباطن أن يغير قوانين الطبيعة أو يجعل فقير غني بدون عمل ومجهود. فالأفضل هو أن نستخدم العقل الباطن بشكل صحيح وفعال، بحيث نحقق ما نريده بشكل واقعي ومسؤول.

هذا الكتاب يشير أيضا يا خالد على الربط بين العقل الباطن و التكرار أي العادات الناجحة و هنا تكمن القوة .

حيث أشار هذا الكتاب الرائع أن الإقتناع بالأفكار الإيجابية تأتي من خلال إتباع نظام صحيح و الأهم الإستمرار على هذا النظام و من ثم ينشأ التطوير الذاتي و التقدم الثابت الملحوظ الذي يزيد من الثقة بالنفس و الإيمان بالقدرات و يمتد هذا النظام حتى الوصول إلى العمل و الإجتهاد حتى الوصول إلى النتائج المرضية.

بالرغم من أنّنا لا نستشعر قوّته مادّيا إلا أنّ العقل المادّي متجذّر بنا بشدّة وهو ما نلتمسه يوميّا وكل لحظة في سلوكنا وتصرفاتنا. لقد قرأت بضعًة مقتطفات من هذا الكتاب وقد أصبت بالذهول عند قرائتي كيف بإمكاننا إعادة تشكيل حياتنا من خلال استثمار العقل الباطني باستراتيجيات معينة. قد يكون هناك بضعة ثغرات في الكتاب ولكن ذلك لايمنع فكرة الانتفاع منه ببعض النواحي الأخرى. وبالرغم من ذلك فأنا أؤمن أنّ هناك جزءا كبيرا من العقل الباطني لا يزال غير مفهوم ومبهم بالنسبة لنا وللعلم.

كلام جميل