هذا أنا...

ورقة سقطت من دفتر القدر قبل أن يُكتب عليها.

متلاشٍ، لا أفرقُ عن اللاشيء شيئا.

جسدي طويل كليل شتاء الفقراء، ونحيفٌ كفرح المساكين.

أحمل في وجهي تسعين حزناً، وقهرين يبكيان كلما شممت راحةً من الماضي.

تحمل جسدي قدمين قويتين، تعلمتا الشجاعة قبلي، فكنت أراهما يركضان قبل أن يصل الخوف إلى دماغي.

ظهري مجزأٌ أحدب، لا يِصلُح سنداً، ورئتاي تخنقني كلما بكت إحدى ضلوعي.

أحلامي ثقيلة، فأنا لم أعزّلها بعد، ما زلتُ أحتفظُ بحلمِ أمي أن تراني طبيباً، وما زال حلم أبي أن أصبح ضابطاً يراودني، لم أصبح ضابطاً يا أبي، بل صرت سارقاً.

أسرقُ كل شيء يجعلني مبتسماً، حتى أني في إحدى الليالي سرقتُ عودَ ثقابٍ لأتدفأ عليه فلم أجد ما أسرقهُ فأحرقهُ فحرقتُ نفسي.

كنت أعتقد في صغري أن أبي ملاكاً، لكن الملائكةَ لا يموتون.

أتريديني طبيباً يا أمي!؟ ها قد أصبحتُ مستشفاً للمجانين.

جربتُ مرةً أن أحب، رأيت فتاةً تشبهني، حتى أنها لم تكن حلماً لأحدٍ كأنا، كانت غيمةً، انتظرتها حتى تمطر... لم تمطر، كانت سراباً، كانت لا شيء مثلي.

أحمل أيضاً حلماً يراودني منذ الصغِر، حلمٌ أن أصبح ممثلاً أو حتى كومبارساً، كنت أريد أن أقول شيئاً يسد أفواه من يقولون لأمي ابنك مجنون، حتى الدنيا لم تقبلني كومبارساً، لم أظهر حتى في شارتها.

قلت أكتب، لعل أحد المجانين يقرأ تخيلاتي، لعلّ إحدى الحمقاوات تُعجب بترهاتي وتحبني.

بحثت كثيرا عن قلمٍ يقبل أن يكتب ما أملي عليه، أو يضع نفسه مُلك يدي، لكني لم أجد يديّا، تذكرت أني نسيتهما حين عانقت آخر أصدقائي.

قلت في نفسي لعلّ الفشل هوايتي، ومن حقي ممارسة هِوايتي، لكني لم أفشل.

نجحت بالصراخ تحت أسواطهم، بالبكاء في زواية العتمة، ونجحت أن جعلتهم يكتبون رقماً على جبهتي قبل أن يدفنوني كبقية العاقلين.

أنا الآن زغرودةً تخرج من فم أمي تُسكتُ المجانين.