كيف تقرأون الكتب؟

لو طلبت منك تذكر المقولات والنصوص التي جاءت في الكتب المدرسية فإنك لن تتذكر إلا القدر اليسير, ولكن هذا لا يمنع من أنك متعلم تجيد القراءة والحساب والتحليل المنطقي بفضل هذه الكتب..الأمر ذاته ينطبق على بقية الكتب التي تقرأها في مسار حياتك.

لا أحد يتذكر الكتب التي قرأها, حتى الأفكار العامة قد تُنسى بل أحيانا قد ينسى الإنسان ما إذا كان قد قرأ هذا الكتاب أم لا, لأن القراءة نشاط ممارس طول سنوات حياة المرء.

الاستفادة من القراءة تراكمية, فنحن نحصل على معلومة من هذا الكتاب تعززها معلومة إضافية من كتاب آخر فنتذكر المعلومة ولا نتذكر الكتب, نستفيد أيضا من أساليب التفكير والتحليل ويرتفع منسوب الانفتاح الفكري.

لا ارى أن حفظك للكتاب مهم، لماذا تحفظه هل يوجد بعد انتهائه اختبار؟ أم يوجد من تسمع عليه حفظك للكتاب؟ كلا، المهم من القراءة الكثيرة هى أخذ الأفكار، مثا ترتيب الأفكار فى الكتاب أو الفكرة التى تدور حول الكتاب أو جملة أو مقولة تطبقها على حياتك أو تقتدى بها، بالنسبة للإفادة منها على مستوى الكتابة فهى تعطيك أفكار تستطيع أن تبتنى عليها لكتابة مقالات أو مواضيع وتغذى عقلك وتنضجه .

أي شيء تقراءه يضيف لك حتى لو نسيته

وعشان تتذكر أنا اعتمد التلخيص اذا الكتاب فيه معلومات وإذا روايات احتفظ بالاقتباسات منها هذه طريقتي

قرأت قبل سنوات رواية عالم صوفي مرتين، في وقت من هذا العام كنت أحاول انتقاء افضل الكتب الفلسفية لقراءتها، استبعدت من هذه القائمة هذه الرواية ثم تراجعت، كوني حاولت تذكر تفاصيل معينة في الرواية و لكن لم أتذكر، قررت إعادة قراءتها مرة أخرى، لكن هل يعني أن القراءة الأولى لم تعود عليّ بالفائدة؟ كلا، فمن خلال القراءة الأولى، بدأت أتساءل عن سبب كل شيء يحدث في حياتي، أصبح أداة السؤال لماذا هي التي ترافقني في هذا الحياة. ناهيك بأنني أشعر بأنني صقلت شخصيتي من القراءة الأولى للراوية وكذلك الامر ينطبق على الكتب الأخرى، هناك معرفة استفدنا من قراءة الكتب، أصبحنا نواجه التحديات التي تحدث في حياتنا، أصبح لدينا كمًا لغويًا من المفردات.

تذكرت هنا كلام الفيلسوف الفيلسوف إمرسون قال: عندما قال "أنا لا أستطيع أن أتذكر الكتب التي قرأتها، تماماً كما لا أتذكر وجبات الطعام التي تناولتها، ورغم ذلك فهي التي شكلتني." فأتفق معه كليًا.

هنالك طرق و تقنيات يمكنك اعتمادها لقراءة كتب معينة، مثلا يمكنك كتابة رؤوس اقلام على هامش الكتابة حول بعض المحاور التي جذبتنها أثناء القراءة. أيضًا يستحضرني طريقة تقنية قاعدة 50/50 لتذكر 90% مما نتعلمه حيث يمكننا أن نتعلم لمدة 50٪ من الوقت ومن ثم نشرح ما تعلمناه أي ال 50% ومشاركته مع الآخرين. أيضًا هنالك تقنية فاينمان للتعلم. كنت قد تحدثت عنها في مساهمة سابقة. يمكنك الاطلاع عليها

إن التغيّر الذي يطرأ علينا من القراءة ليس على الإطلاق تغيّرًا يمكن قياسه من خلال الحفظ والنسيان، وإنما هو تغيّر عام في آلية التفكير الخاصة بنا، وأفضل ما يمكننا أن نفعله كي نكون على درجة من الوعي بما نقرأه هو أن نعتني أولًا بالتركيز أثناء القراءة، وثانيًا أن نعتمد بشكل عام على الاستيعاب، لا الحفظ، وذلك حتى نزيل من على أنفسنا الضغط الذي دفعنا إلى كراهية التعليم الأكاديمي وأساليبه التي تقتل الإبداع في داخلنا.

حفظ الكتاب بالكلمة ليس المغزى أو الهدف الرئيسي من القراءة بل الأهم من ذلك أن تفهم الكتاب وكبداية من الممكن أن يساعدك على تذكر الأشياء المهمة في الكتاب أن:

1- تحكي لأحد ما قرأته وما فهمته حيث وجد العلماء أنه في محاولة شرحك لأحد شيئ فإن عقلك يخلق روابط عصبية جديدة تساعدك على فهم هذا الأمر وتذكره أكثر

2- تقوم بعمل ملخص بسيط قد يزداد حجمه مع الكتب العلمية بالتأكيد ولكن يظل أبسط من الكتاب أكمله حيث تضع داخل الملخص كل الأشياء المهمة التي استفدتها من الكتاب المصطلحات والعلماء والتجارب ونتائجها أو في الروايات أن تكتب أسماء الشخصيات الرئيسية والأحداث المحورية (الحبكة) ورأيك العام عن الرواية هذه الخطوات بالتأكيد ستساعدك على تذكر الكتب التي تقرأها.

3- في النهاية يمكنك تطوير ذاكرتك عن طريق خاصية اللدونة العصبية في المخ التي اكتشفتها (إيلانور ماجوير) حيث وجدت أن حجم المخ يزداد بكثرة الاستعمال ووجدت أن حجم قرن آمون (الجزء المسؤول عن الذاكرة) يزداد بعد متوسط 14 أسبوع من التعلم.

صديقي، سوف أخبرك هنا باقتباسٍ للدكتور الجميل سلمان العودة، وأجده شافيًا جدًا فيما يخص هذه المسألة التي شغلت بالي كثيرًا، يقول سلمان العودة :

"قلت مرةً لشيخي: قرأت الكتاب ولم يعلق شيء منه بذاكرتي

مدّ لي تمرة وقال: امضغها

ثم سألني: هل كبرتَ الآن؟

قلت: لا

قال: ولكن هذه التمرة تقسمت في جسدك فصارت لحمًا وعظمًا وعصبًا وجلدًا وشعرًا وظفرًا وخلايا

أدركتُ أن كتابًا أقرؤه يتقسم فيعزز لغتي، ويزيد معرفتي ويهذب أخلاقي"

لا تقرأ لتحفظ، بل اقرأ لتفهم، لأنك حين تفهم ما تقرأ فإنّك تتشربه ويساهم في صقلك وتشكيلك من دون أن تشعر.