لا شك أن الأحلام بالنسبة لنا وقود الحياة، وأن الحياة بلا أحلام جافة لا طائل منها ولا شغف ورائها ولا طعم، ربما لأنها هي التي تعطي للغد الذي نعيشه قيمة وتنقذه من الملل، فنحن ننتظر الغد الذي يأتي محققاً كل ما تمنيناه ونستمر إلى ذلك الحين المنتظر في المحاولات الدائبة، وربما تكمن أهمية الأحلام العظيمة بأنها الطريق لرضا الإنسان عن نفسه، فيشرط الرضا عن نفسه بالوصول لتلك الأحلام، وكذلك قد يكون سبب اتخاذ الإنسان للأحلام العظيمة هو البحث عن القيمة لنفسه في المجتمع بين الناس، تلك القيمة التي يشار إليه بسببها بالبنان، فيسعى مسعاه ليصل إلى تلك المكانة بين الناس وهذا من خلال تبنى أفكار أو أحلام عظيمة من شأنها أن تخلق تلك المكانة الضخمة.

على اختلاف الغايات التي تجعل الإنسان يحلم أحلاماً عظيمة ويطمح لأشياء كبيرة، إلا أنها في الأغلب تختلف من حيث السبب الذي يجعل الإنسان يحلم تلك الأحلام، فمن الطبيعي أن يمجد الكتاب في الأحلام العظيمة كونها الطريق الأمثل لتحقيق الخير للبشرية، وهذا ما تعودنا عليه جميعنا، ولكن ما أثار دهشتي أن هناك بعض الفلاسفة أو الكتاب يدعون الإنسان بالتدني بأفكاره وطموحاته قدر الإمكان، حتى لا يصطدم بالبؤس في حال عدم وصوله لتلك الأحلام،

حيث يقول آرثر شوبنهاور في كتابه : فن العيش الحكيم

" يتعين على الإنسان ألا يشرط سعادته بقاعدة عريضة من الطموحات والتطلعات، فهذا من شأنه أن يجعلها تنهار في لمح البصر لأنها ستكون عُرضة باستمرار لحوادث غير متوقعة تعترض سبيله، وتجري بما لا تشتهي إرادته. لذلك، عليه أن يقيم سعادته على صرح صلب قوامه طموحات متواضعة جداً ومتناسبة مع قدراته وموارده الذاتية، تفادياً لكل ضروب التعاسة والشقاء التي يعج بها هذا العالم"

فهنا يدعونا شبنهاور، في سعينا للسعادة ألا نربطها بتلك الطموحات والأحلام العظيمة لأنها قد لا تتحقق، بل يطلب منا أن نتدنى في أحلامنا لنحقق تلك السعادة، وأن نعرف قدراتنا ونحلم بناءاً عليها دون أن نزيد . وكأنما يريد أن يقول "الأحلام ليست مجانية كما تظنون"!

وسؤالي لك هنا: كيف قد تجعلنا الأحلام العظيمة تعساء؟ وهل وجود أحلام عظيمة خطر إلى هذا الحد كما أوضح شبنهاور؟