لطالما أرغمتُ نفسي على الكتابة في أجواء تغمرها الضوضاء. ودائمًا ما كنتُ أصرّ على محاسبة نفسي عندما لا أقوى على ذلك. "الكاتب الحقيقي يكتب في أي وضع" أقول لنفسي دائمًا.

وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب عالج لديّ العديد من المشكلات المهنية في الكتابة، فإنني لم أصل أبدًا إلى نفس مستوى الصفاء الذهني الذي أصله في العزلة، حيث أنني حتى الآن لا أجد ما يقارَن بأن يكتب المرء وهو وحيدٌ في الغرفة.

اختراع عجيب للكاتب الأمريكي بول أوستر:

بعد سنوات من ممارسة هذه المهنة السحرية –كما أقول دائمًا- سمحت لي المصادفة بالاطلاع على كتاب "اختراع العزلة" للكاتب الأمريكي بول أوستر، وهو الكتاب الذي انطوى على مفهوم مشابه لما أرمي إليه.

ينقسم الكتاب إلى جزئين: الجزء الأول "بورتريه لرجل غير مرئي" يطرح فيه بول أوستر صورة من سيرته الذاتية، والتي تبدأ حكاياتها بموت والده، وتتتابع بمجموعة من القصص والحقائق حول عائلته التي تمتلك سلسلة طويلة من الجرائم والأحداث المربكة.

أمّا الجزء الثاني، "كتاب الذاكرة"، يستعرض فيه بول مجموعة من أفكاره حول الكتاب وحول الكتابة، وحول الذاكرة والعزلة، وعلاقة الانعزال بالإبداع الفني، بالإضافة إلى أنه استعرض العديد من وجهات النظر عن مفاهيم عامة مهنية مثل الترجمة وتجربته معها.. إلخ.

يرى بول أوستر في مختلف نواحي الكتاب أن العزلة هي المنتِج الأول للفن، وهي الكاشف الذي يمنحنا فرصة الاعتراف والتعرّي أمام أنفسنا، فلا يمكننا أن نجد كاتبًا حقيقيًّا لا ينعزل أثناء الكتابة، حتى وإن كانت غرفته ملأى بالأشخاص.

يقول بول في هذا الصدد:

"كل كتاب هو صورة عن العُزلة".

يرى بول أوستر أن أي عمل إبداعي –في الأدب على الأقل- هو صورة من الانعزال الفعّال والمنتِج. وعلى الرغم من السمعة السيّئة لهذه العزلة، فإن الفنان يجب عليه أن يتحلّى بها، حيث أنها تتناسب طرديًّا مع إنتاجيّته.

في ضوء منظور بول أوستر، هل ترون العزلة شرطًا للإبداع والإنتاج الفني؟ وما هي الخسائر التي قد يتكبّدها الفنان إذا ما أسرف في انعزاله؟