إذا خُيّرت بين وظيفة تمنحك راتباً كبيراً لكنها تتطلب منك استثمار كل وقتك وجهدك على حساب حياتك الشخصية، وبين وظيفة أخرى براتب متوسط أو عادي لكنها تتيح لك وقتاً لقضاء حياتك مع العائلة على الأقل، فأيهما ستختار ولماذا؟
تفضّل وظيفة براتب كبير تستهلك وقتك كله أم وظيفة براتب عادي توفر وقت لحياتك؟
يمكن أن يختلف هذا من شخص لآخر. لكل وقت واحتياج طريقة معينة للتفاعل. على سبيل المثال، شخص يمتلك شركة قد يقضي معظم وقته فيها وكأنها زوجة له، يمنحها كل جهده لتحقيق الأهداف المرجوة، سواء كان ذلك المال أو الصحة أو الوقت الأسري.
قد لا تكون الأمور الأسرية أو الصحة أو الهدوء والأصدقاء من الأولويات في هذه الحالة. وهنا يكمن السؤال: هل يحتاج الشخص حقًا إلى المال أكثر مما يحتاج إلى الأوقات الأسرية أو الصحة أو الهدوء والأصدقاء؟
كل هذا يختلف من شخص لآخر. قد يكون الشخص الذي يعمل بدخل ثابت متوسط أو عادي لا يحتاج فعليًا إلى هذا القدر من المال، بل يعمل فقط لأجل العمل ويفضل الوقت الأسري والأصدقاء على الحاجة إلى المال.
ما تقوله صحيح إلى حد ما، لكن دعنا نفكر بشكل أعمق. المال والصحة والعلاقات ليست متضادة تماماً، بل يمكن تحقيق توازن ذكي بينها. الأشخاص الذين يكرسون حياتهم لعملهم غالباً ما يظنون أن التضحية بكل شيء هي السبيل الوحيد للنجاح، لكن أليس من الحكمة أن يكون النجاح مبنياً على استدامة شخصية؟ أحياناً، التركيز المفرط على العمل يجعلنا نخسر أشياء صغيرة لكنها جوهرية، مثل لحظاتنا مع من نحب. السؤال الحقيقي الذي يواجهنا ليس أيهما نختار، بل كيف نحقق التوازن دون أن نضحي بشيء لا يمكن استعادته؟!
للأسف، يعتقد بعض الناس أن العمل الحالي سيوفر لهم كل شيء في المستقبل. لكن هناك من يعمل لتلبية احتياجات أسرته، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات والأوقات السعيدة التي يقضيها معهم. لا يمكن التفضيل بين الأمرين هنا؛ فالعمل بهذه الطريقة لا يعني بالضرورة أن الشخص يحب المال بشكل مبالغ فيه، وإنما قد يكون حبه لتلبية احتياجات عائلته يفوق أي شيء آخر.
على سبيل المثال، من يعمل خارج البلاد التي تعيش فيها عائلته لا يفعل ذلك بالضرورة لحب المال أو المنصب، بل قد يكون تضحية من أجل تأمين المصاريف الشخصية لأسرته.
كل هذا يختلف من شخص لآخر
معقول وجود إنسان يصبح من الصحي له أن يحتفظ بشركاته بدلاً زوجته وأولاده؟ هل هذا مقبول فطرياً ونفسياً؟ وإذا كان نعم كيف يمكننا أن نعرف احتياجاتنا الحقيقية أو أولوية احتياجاتنا؟
أؤيد هذا بشدة، لكن قد تكون الخيارات التي تتيحها الحياة صعبة وتكلفة المعيشة تزيد من صعوبة الالتزام بالراتب الذي يلبي احتياجات العائلة ورفاهيتهم على حساب الشخصي. أنا لا أتفق مع هذا، إذ أن الالتزامات تفرض أسلوب الحياة والاحتياجات الشخصية.
قد يتنامى في فكر البعض "الحلم الأمريكي"، الذي ينص على أننا نعمل بجهد حتى سن التقاعد لنستمتع بما تبقى من العمر مع الأولاد أو الأحفاد. لكن، هذا الفكر يجعل المنزل غير مستقر تمامًا، بل ويفتقر إلى الحياة الأسرية السليمة، مما يسبب مشاكل نفسية للأطفال وأخرى كثيرة.
الأمر نسبي ويعتمد على أولويات كل شخص، ولكن بالنسبة لي الاستقرار والراحة النفسية أهم بكثير من أي شيء آخر، فالوظيفة ذات الراتب المتوسط التي تتيح لي وقتاً لقضاء حياتي مع عائلتي والاستمتاع بأوقاتي الشخصية تعني لي الكثير، لأنها توفر لي التوازن بين العمل والحياة، وهذا التوازن هو ما يساعدني على الشعور بالسعادة والرضا، المال مهم لكنه لن يعوض لحظات الحياة التي لا تقدر بثمن مع الأحبة.
صراحة في ظل الأوضاع الاقتصادية التي نعيشها وبما أنني ما زال أمامي الكثير من الالتزامات التي من المفترض أن أبدأ في ادخار المال لأجل البدء في تحقيقها، فأنا لن أتردد مطلقا في قبول وظيفة براتب كبير مهما كانت مجهدة. أعتقد أن عائلتي تحتاج للمال الذي سأجنيه من الوظيفة أكثر من قضائي بعض الوقت معهم.
الراتب العادي طبعا، ما فائدة المال بالنسبة لأسرتك إذا لم تستمع بها معهم! ، أي حياة تلك التي سنعيشها ونحن بعيد عمن نحب !
جودة الحياة لا تقاس بالمال، ولكن بتوازن الصحة مع العائلة مع الاصدقاء.
الراتب العادي طبعا، ما فائدة المال بالنسبة لأسرتك إذا لم تستمع بها معهم! ،
يبدو أن الفكرة نسبية تماماً فصديقنا كريم في تعليق سابق كتب العكس تماماً، قال ما فائدة أن أقضي معهم أوقات وهم يحتاجون إلى أموال لكي تعيلهم؟ بالعموم كيف أنت بنيت نظرتك للأمور؟ لنسأل بعدها كريم كيف بناها أيضاً.
الراتب الكبير إن كان هو الخيار الوحيد لإمكانية تدبير حياة مثالية لاحقة قد أذهب له (بعض الوقت وسأكون صارماً مع نفسي في هذا) لكن إن كانت الوظيفة ذات الراتب الكبير لا تسمح بالتطور بعدها ، مثل أن تكون هناك شروط جزائية صارمة في التعاقد مثل تلك التي تمنع الموظفين التاركين للعمل لا يعملون لفترة معينة في نفس المجال مثلاً أو بالعمل عموماً (في بعض العقود الأكثر تطرفاً) حينها تعد الوظيفة نقمة لا أفضلها وفخ قد أقع فيه يحولني لعبد لتلك الوظيفة مدى الحياة ناهيك عن المخاوف التي تنبع من تركها بسبب فقد المميزات التي قد أفقدها ، لذا ستكون وظيفة بمرتب عادي وحياة بسيطة مع من أحب هي خيار مثالي أكثر سحراً وجاذبية بالنسبة لي ، فأنا على الأقل قادراً في تلك البيئة البسيطة من التطور والنجاح وربما خلق مصادر دخل أخرى .
أعتقد أن الأمر يعتمد في المقام الأول على المكان الذي تعيش فيه، مثلًا في أوروبا الرواتب قليلة مقارنة بأمريكا مثلًا، مع كثرة الضرائب، أن تكون غنيًا للغاية مقارنة بمحيطك من الناس فرصة صعبة، لكن في نفس الوقت هناك موازنة مع الأسعار والخدمات والنظام الصحي، مما يجعلك قادر على بناء حياة كريمة وبلا ضغوط بمرتب قد يكون "عادي" وهو صعب التحقيق في أماكن آخرى من العالم.
التعليقات