دائمًا ما يتم نصحنا بعدم ربط قيمة ذواتنا بناء على كم الإنجازات التي نحققها، ولكن أنا على العكس تمامًا دائمًا ما أتساءل إذا لم أكن فعالة ومؤثرة في محيطي ومجتمعي فما القيمة لوجودي وما النفع لحياتي! وعلى أي أساس إذًا تُحدد قيمة النفس إن لم تكن بما تحققه وتنجزه؟!
مع أم ضد تحديد قيمة النفس بناء على الإنجازات؟
هل تذكرين رجلاً عادياً عاش قبل ١٠٠٠ سنة؟ أكيد لا، من نذكرهم يكون لأعمالهم قيمة عالية ومنجزاتهم حضور طاغي، ولذلك نحن نصنّف من مات بناءً على عمله ونصنّف رجال التاريخ بناءً على عملهم، فمن الطبيعي حين نقوم ذلك مع الأموات ومع التاريخ أن نعامل حتى أنفسنا بهذه الطريقة ونقيّم أنفسنا بناءً على المنجزات أو على أقل تقدير مثلاً حتى لا نتعرض للإحباط أن نقيّم أنفسنا بناءً على السعي والرؤية (الخطة العامة) التي نسعى فيها، يعني طالما أن هناك رؤية كبيرة ومهمة لنا ونسعى ضمنها بإمكاننا عدّ هذه الدورة جزء من منجزات تمثلني لإنها تصنعني، إلى أن يتشكّل مع الوقت المنجز الذي أستطيع الاتكاء عليه لتعريف نفسي، النفس التي لا تُعرّف بالاسم المُطلق عليها، بل بالعمل الذي كوّنته.
النتائج غير مضمونة، والإنسان غير مكلف بالنتيجة، وإنما بالسعي. أرى أن قيمة الإنسان تُحدد من سعيه وعمله وإخلاصه فيه، ويمكن أن نعتبر هذا هو الإنجاز الحقيقي: أنه مستمر على سعيه ولا ينقطع. قرأتُ عن أحد العلماء: ليس الهدف أن تصل، ولكن الهدف أن تموت وأنت على الطريق.
المرأة التي كانت تَقُمُّ مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أحد يهتم لشأنها، لدرجة أنها لما ماتت لم يذكروها بشيء، لكنهم تفاجؤوا بسؤال النبي عنها، ثم سألهم عن قبرها، فذهب إليها وصلى عليها. هذه المرأة لا تعرف كتب التاريخ عنها شيئًا غير اسمها فقط: أم محجن، وهذه الحكاية.
مثل هذه السيرة في التاريخ كثير، فالهدف ليس إنجاز شيئًا كبيرًا، وإنما مواصلة السعي والعمل بإخلاص في طريق نبيل.
الانجازات تتوقف في اوقات كثيرة، أو قد لايشعر بها صاحبها ، كثيرون يعتقدون أن مايفعلونه لسنوات طويلة هو شيئ عادي أو المجتمع ومن حولهم يشعرونهم بذلك، فلو إقترنت قيمة النفس بالانجازات أصبح الكثيرون بلا قيمة !!.
ربما الانجازات أحد المعايير التي يجب الاستناد إليها عند تحديد قيمة النفس، لكن يجب أن تكون المعايير كثيرة.
وهل الأشخاص التي ليس لديها انجازات، التي تذهب للعمل مثل المليارات بدون أي تميز أو تدرس بدون أي تميز وليس لديهم اية انجازات مقارنه بالباقيين، هل ليس لديهم قيمة؟ أعتقد لا.
يعتقدون أن مايفعلونه لسنوات طويلة هو شيئ عادي أو المجتمع ومن حولهم يشعرونهم بذلك.
من الجيد أنك أشرت لهذه النقطة، فهنا تحديدا لا يتم ربط قيمة النفس بنوع الإنجاز أو مدى تميزه وانفراده وإنما بنتيجته وتأثيره، فمثلا طبيب أنقذ حياة مريضة كانت في حالة خطيرة جدا، هل هو الطبيب الوحيد الذي نجح في هذا وفعل شيء لا يفعله غيره من الأطباء أو حتى من أصحاب المهن الأخرى التي يركز مجالها على إنقاذ حياة الآخرين؟ بالطبع لا يوجد مثله الكثيرون ولهذا إنجازه ليس متميز أو مختلف أو مبتكر ولكنه هام جدا وتأثيره كبير، هو أنقذ روح من الموت! وهذا يختلف عن فكرة ألا يحقق الإنسان أي إنجاز من الأساس، ولا يفيد محيطه أو مجتمعه بشيء يذكر!
بالطبع أؤيد فكرة تحديد قيمتنا بناء على إنجازاتنا وهذا يعطينا بشكل عام دافع قوي لنستمر في التقدم ونحقق أهدافنا بنجاح، وذلك لأن الإنجازات في حد ذاتها اعتبرها تجسيد واضح للتحديات التي نواجهها والضغوط الصعبة الذي وصلنا إليها وتمكنا من التغلب عليها، كما أن كل هدف أو إنجاز نقوم به يمنحنا ثقة في أنفسنا وفي قدراتنا على تحقيق أهداف أكبر.
من خلال تعلقيك أود أن أشير لأنواع مختلفة من الإنجازات، لأن الناس عندما تسمع الكلمة للوهلة الأولى يظنون أنه يجب أن يكون شيئا كبيرا جدا لم يأت به أحد من قبل وهو على العكس تماما، الإنجاز هو أي فعل يترتب عليه نتيجة مفيدة تخدم المصلحة العامة، كأم تحسن تربية أولادها فتخرج نماذج سوية وعقول نابغة تخدم مجتمعها، أو كمعلم يتقي الله في عمله فيحسن التربية والتعليم لطلابه فيخرج جيل واعي وماهر، أو حتى في إنسان اتقى الله في خلقه فلم يأذيهم أو يتجبر عليهم أو يصعب عليهم حياتهم وظل متمسكا بأخلاقه ومبادئه في زمن كثر فيه الفساد في كل مجالاته، هذه كلها إنجازات هي ما تعطي للنفس وللوجود عموما قيمة.
ماذا لو كان سعيك وبذلك كبير للغاية ولكن أنتي غير موفقة في الوصول وخلق التأثير، تقييم الذات يعتمد على تقييم الانجاز لا تقييم النتيجة.
أراه يجب أن يرتبط بالسعي كمه وكيفه وصوابيته واستمراره، ولو ارتبط بالنتائج فلن يقدر أحد نفسه لأننا نتعثر كثيراً.
ريما بذلت جهد كبير بالفعل ولكن إمكاناتي الداخلية محدودة وأنا من تحديتها وحاولت تجاوزها وفشلت وبالتالي لم أصل للنتيجة المرجوة وهو ما يعيدنا لأن تقييم الذات في هذه الحالة سيكون منخفض ليس فقط لأنني فشلت في تحقيق إنجاز ما ولكنني فشلت في فهم نفسي وامكاناتي وأهدرت وقتي وطاقتي بدون فائدة وفي النهاية لم أحقق شيء وأوهمت نفسي بأنني بذلت ما في وسعي.
ضد، هذا لا يعني أن الإنجازات هامة وضرورية لخلق صورة نرى بها أنفسنا، وهي أحد الدوافع الأساسية لعدم الوقوع في الفراغ، ولكن بالرغم من ذلك فإن تحديد القيمة بناءًا على الإنجازات المحققة هي وسيلة آخرى من وسائل تسليع الإنسان وتصنيفه، مثل وسائل آخرى مثل معايير الجمال والجسم على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا لا يفرق عن التصنيف حسب الإنجازات.
التعليقات