لماذا يصيب الملل العلاقات وكيف نتجاوزه؟

من أين يأتي الملل الذي يتحدّث عنه الجميع سواء في العلاقات الزوجية أو الصداقة؟ وإذا كنا لا نملّ من إخوتنا هل لأن محبتنا صادقة أم ذلك أمر فطري؟ شاركوني رأيكم؟

الملل صفة طبيعية في الإنسان برأيي، فالإنسان بطبعه عجول فضولي يحب التجربة ويميل إلى التغيير، ويكره الرتابة والثبات، ربما تقولين لي هذه الصفات لا تشمل جميع البشر ولكن أقول لك أنه حتى الشخص الذي يصرّح بحبه للروتين وبتكرار كل شيء يومياً، هو في داخله يشعر بشيء من الضجر، يشعر بأنه شاخ وفقد حيويته .

ومن هنا أدخل إلى العلاقات التي قد يدخلها الملل أيضاً فهي تتأثر بهذه الطبيعة المتجذرة في أعماقنا، ما الذي يجعلنا نشعر بالملل ؟ تكرار كل شيء.. أن نشعر بأن ما نقوم به لا يضيف إلينا شيئاً يذكر .. أن نشعر أننا مقيّدين ومجبرين على أمر واحد .. أن نشعر أن قلبنا ما عاد ينبض بذات اللهفة في البدايات .

إذاً كيف نطرد هذا الملل ؟ بالتغيير والإضافات، بلمسات بسيطة تعيد إحياء تلك المشاعر التي غطت في سبات عميق .

ولكن هل الملل مقتصر على الصداقة والعلاقات الزوجية كما ذكرتي ؟ لا أعتقد ذلك، بل هو شعور وارد تسلله إلى أي علاقة فحتى الأم تشعر أحياناً بالملل من إزعاج أبنائها ومشاغبتهم ومتطلباتهم التي لا تنتهي ولا تصدق متى يأتي الصباح لترسلهم إلى مدارسهم، ولكن هل يعني ذلك أنها لا تحبهم ؟ بالطبع لا وستستقبلهم بكل شوق في المساء .

بالنسبة لي أشعر أحياناً بالملل من مشاكل أخوتي وأفكر في الإبتعاد قليلاً، ولكنني أدرك في قرارة نفسي أنني لن أتحمل مفارقتهم أكثر من يوم واحد، ولكن ما يعيد الحياة إلى علاقتنا هي تلك اللحظات التي نختلسها أحياناً ونتخلص فيها من أعبائنا ورتابتنا ونجلس سوياً لندردش أو لنلعب لعبة أو لنقوم بنشاط ما مع بعضنا .

صداقتي لم تشعرني يوماً بالملل، فأنا أحب أن أقوم بكل الأنشطة المسلية مع صديقاتي في كل يوم، ولكن إن توقفنا يوماً عن ذلك سيتسلل الملل إلى أعماقنا .

بالنسبة للعلاقات الزوجية فلا أفتي فيها لأنني لا أمتلك خبرة بهذا الشأن، ولكن أعتقد أن رحلة أو عشاء في مطعم أو سياحة يخرج فيها الزوجان سوياً قد تكون حلاً يعيد للعلاقة حيويتها .

ما أعرفه أن الملل الذي يحدث بعد الزواج أو في العلاقات الطويلة سببه توقف الدوبامين بعد فترة معينة، ولذلك ففي بداية كل علاقة يتحمس المرء ويبدأ شعور الفراشات في المعدة لأن الدماغ يفرز الدوبامين والذي يشعرنا بالسعادة الغامرة، إن الوعي بهذه الأمور يمكن أن يمنح الأزواج فهمًا أفضل للعلاقة، فقد يظن بعضهم أنه توقف عن الحب بيد أن السبب أن شكل الحب تغير وكيمياء الدماغ تجاه الشخص المقابل تغيرت بسبب الاستقرار والاعتياد.

مشاركة الفعاليات والاهتمامات الشخصية وخاصة الهوايات يجدد العلاقات باستمرار.

يحدث ان تنتاب حياتنا بعض مظاهر وعلامات الفتور، وهذا نابع منا نحن في الغالب وذلك بسبب الضغوط التي يعيشها الانسان وبالتالي يعزف الى الوحدة وعدم المخالطة او لاسباب مختلفة قد تكون لعدم قدرة الشخص لتلبية احتياجاته او احتياجات اسرته او لربما لتعرضه لصدمة في حياته او في المحيط الذي يعيش فيه وبالتالي وجد انه في حالة شرود وتيه على اثرها اصابه الملل.

وهناك نوع من الملل تسببه التخمة فهناك من يعتبر اخطبوطا في علاقاته الاجتماعية ولكن تأتي فترة عليه وتصبح علاقاته محدودة وهناك من يجد ان المجتمع لا يفيده او انه يبذل جهده مع اشخاص لا يستحقون.

ونعم الملل يتسرب الى الحياة الزوجية هي تفتقد الى التجديد والى الافكار الابداعية في الحياة وسبل التغيير. ولذلك فان الزيارات الخارجية والرحلات والاحاديث المسلية والعاطفية والهدايا والسفر جميعها تبعد القلق والملل من حياة الانسان فتجدد تلك الامور حياته وتعيد ترتيب افكاره واولوياته ونظرته للامور.

الشعور بالرابطة التي تجمع بيننا وبين أخوتنا وعيشنا معهم منذ الصغر في نفس البيت يجعلنا لا نمل من أحاديث بعضنا، ولكن عند العيش مع شخص غريب لم نتعود على طباعه وأحاديثه، نفقد المتعة في البقاء معه شيئًا فشيئًا، ولكن هذا لا يعني أن الشريكين يجب عليهما الإنفصال، فهذا أمر مؤقت ويختفي أيضًا مع مرور الوقت، فالملل شيء لا بد منه أن يحدث في أي علاقة، ولكنه ليس شيئًا يُجبر الطرفين على الإبتعاد.

الملل يدخل إلى العلاقة حين يتوقف أحد الطرفين عن سقيها

علاقتنا مع الآخرين وحتى مع الأشياء تشعرنا بالملل لأنها تفقد بريق الدهشة والفضول الذي ينتابنا في الأول والتعود مع تكرار الأمور كلها أسباب في تسلل الملل إلى علاقاتنا لهذا التجديد والتغيير صفتين مطلوبتين لتجديد الحيوية في العلاقات التجديد هنا لا أقصد تجديد الشخص وإنما تجديد النشاطات تغير أماكن اللقاء والابتعاد لفترات.

أجد أن العديد منكم يا أصدقائي أشار في التعليقات إلى مقارنة ملحوظة بين علاقة الزواج وصور العلاقات الأخرى بين الأشقّاء والآباء وأفراد الأسرة والأصدقاء وخلافه، لذلك السبب أرى أن هنالك أهمية كبيرة لوضع بعض التفاصيل في سياقها. ومن أبرز الأشياء التي أود توضيحها في هذا الأمر ما يلي:

• في البداية ليس علينا أن نعامل الزواج بالمكيال نفسه، حيث أن كل علاقة من العلاقات الإنسانية التي نخوضها لها طبيعتها الخاصة، وبالتالي لا يمكننا التعامل مع الزواج كنوع من أنواع العلاقات الإنسانية الأخرى. لا يجب أن نقارن علاقتنا بشخص مع علاقتنا بآخر مهما كانت التشابهات.
• وإن قمنا بهذا الأمر، فإننا بالتأكيد سوف نجد العديد من الظروف المماثلة في علاقاتنا بالعائلة والأصدقاء. ألم تختلفوا يومًا مع أخ أو صديق أو أب أو أم؟ نحن فقط نشعر بجرس الإنذار عندما نستشعر الأمر نفسه مع الزواج.
• النقطة السابقة تأخذنا إلى نقطة أكثر تعقيدًا، وهي مشكلة سقف الطموحات المرتغع، حيث أننا في العديد من الأحيان نرفع سقف الطموحات الخاص بنا إلى مرحلة غير مسبوقة في الزواج، حيث نطالب الآخر بنوع نادر من التفاهم وعلاقة خالية من الاختلافات، وهذا الأمر غير واقعي على الإطلاق.

الملل أم طبعي ولا بد من حدوثه، وأتفق مع أن ترك سقيا العلاقات من أسباب الملل، لكن أرى أن علاج الملل هو الابتعاد ثم العودة، وهذا من شأنه تجديد العلاقات، وهذا أمر مجرب.

بل إن بعض المتخصصين في العلاقات الأسرية يقولون: أكثر حالات الطلاق ما كانت تحتاج إلى الطلاق، فقط كانت تحتاج إلى ابتعاد الطرفين عن بعضهما شيئا من الزمن ثم العودة!

وأنا أتفق تماما مع هذا الرأي، والدليل على ذلك أن كثيرا من حالات الانفصال يعقبها الندم وتمني العودة ويسعى الطرفان إلى ذلك بكل طريق؛ لأن الابتعاد ولد الشوق، وأعاد المشاعر إلى أول عهدها.

الروتين يكون قاتلًا لأي علاقة مهما كان قوية ومتينة، فلا بد من التجديد من حين لآخر واضافة بعض الاثارة لعلاقتنا حتى نستطيع استعادة الشغف القديم