ذكرني شهر رمضان هذا بعدة سنوات مضيت فيها شهر رمضان وحدي، إذ اضطرتني ظروف الدراسة إلى السكن بعيدًا عن عائلتي. وللأسف كان شهر رمضان هو الأسوء وخاصة حينما كنت أرى عائلة تجتمع للإفطار في مطعم ما، فيما أجلس وحيدة في انتظار آذان المغرب. ولكن تجربة العيش وحدي كانت أفضل ما مررت به لتطوير نفسي مهنيًا وعقليًا، فشخصيتي قبل هذه التجربة تختلف كثيرًا عن شخصيتي الحالية. وأنتم هل جربتم العيش وحدكم من قبل، وكيف كانت تلك التجربة؟
هل جربتم العيش وحدكم من قبل؟
وأنتم هل جربتم العيش وحدكم من قبل، وكيف كانت تلك التجربة؟
لم أفعل من قبل، ربما قضيت عدة ساعات بمفردي في المنزل، ولكن لم يسبق لي قضاء أيام وأشهر وحيدة بلا عائلتي، وأعتقد أن هذه التجربة ستكون صعبة وثقيلة عليّ على الرغم من أنني أفضل العزلة في كثير من الأحيان وتسيير حياتي وفق نمط خاص لا يخضع لقوانين المنزل، ولكنني آنس بوجودهم، بإزعاجهم ومشاكلهم التي لا تنتهي، ولا أستطيع تخيل قضاء شهر رمضان بمفردي، فشهر رمضان بالنسبة لي هو شهر اجتماع العائلة وعودة البعيد وتقريب القريب .
ربما سأقبل بتجربة الإبتعاد فقط من باب التحدي ولفترة محدودة ولكن ليس لفترة طويلة فلا أعتقد أنني أطيق ذلك.
أعيش وحدي بشكل جزئي منذ سنوات، فدراستي الجامعية في محافظة تبعد ٨ ساعات عن محافظتي، ويمكنني القول أن أول ٣ شهور كانت عذاب، ثم بعد ذلك بدأت أتعلم.
رغم أن التجربة مرهقة في البداية لشكل لا يمكن تصوره إلا أنها ستصقل شخصيتك وتعلمك الاعتماد على نفسك لأقصى درجة، كما أنها ستمنحك الفرصة للابتعاد عن الرفاهيات التي ظننت أنه من غير الممكن الابتعاد عنها.
صحيح أن أول فترة كانت صعبة للغاية، خاصة وأن الطالب يتحمل مسئولية نفسه دون دراية بأساسيات التعامل مع هذه المسئولية. ولكن كان يشغلني دائمًا حال الطلبة الذكور، فالأعمال المنزلية جديدة على أغلبكم نوعًا ما، فكيف تحدث التوازن بين الدراسة والأعمال المنزلية يا أحمد؟
كانت الأواني المتسخة كابوسا بالنسبة لي، فلم أعتد على الوقوف في المطبخ، وهو ما كان يستغرق مني الكثير من الوقت، كان يومي عبارة عن الذهاب للجامعة صباحا والانشغال بالمنزل والطبخ والأواني المتسخة مساء، وهو ما أثر بالسلب على دراستي وحالتي النفسية على حد سواء.
انتهى الفصل الدراسي الأول بشكل سيء جدا مع معدل تحصيل سيء جدا جدا، ثم في أجازة منتصف العام بدأت أتعلم.
طلبت من والدتي أن تعلمني أعمال المنزل جميعها، ثم صرت أطبخ وأنظف وأغسل الملابس وغيرها، واتبعت نظاما صارما لتنظيم وقتي بين الدراسة والمنزل.
الأن لا يستغرق مني الاهتمام بأعمال المنزل أكثر من ساعتين يوميا، ولم يعد الأمر مرهقا بالنسبة لي بل صار أقرب للتسلية، لذلك أستغل معظم الوقت في الدراسة والعمل، ولكن كما قلت يتطلب الأمر انضباطا وقدرة كبيرة على تنظيم الوقت.
كانت الأواني المتسخة كابوسا بالنسبة لي
فهمت من هذا أنه لو وجد في بيتك غسالة أطباق سيكون الامر يسيرًا !
أزعم أن معظم الشبان والذكور بشكل عام يحتاجون للأسرة لتسهيل الحياة عليهم من خلال توفير الغذاء و القيام بالاعباء المنزلية ولكن لو أتيحت لهم فرصة الحياة بفندق سيكون الأمر بغاية اللطف.
لم أجد في كلامك أن هناك أهمية لحميمية الاسرة واجتماعات العائلة، تجاذب أطراف الحديث، الشكوى أو الفضفة لهم ربما لأن هذا ما ينقصني حين أقضي وقت بمفردي استغربت عدم اكتراثكم (كذكور) له
نعم، جربت العيش وحدي في أول عامين في المرحلة الجامعية.
كانت تجربة صعبة في البداية ولكنها أثرت في شخصيتي بالإيجاب فيما بعد، اعتمدت على نفسي في أغلب الأمور، مريت بمواقف صعبة شدت من أزري فيما بعد، تعرفت على أنواع كثير من الأصدقاء تعلمت منهم وتأثرت بهم، والأهم وجدت مساحة كبيرة من الهدوء الذي جعلني أفكر طويلًا في حياتي بشكل عميق وبالتالي اتخذ قرارات مهمة في حياتي.
الوحدة أفضل من إن تعيش عكس نفسك لإرضاء غيرك
جربت العيش لوحدي، كم كان في البداية صعب، لكنه أصبح ممتع فيما بعد حتى أني أصبحت أميل إليها أكثر. رغم أن الأمر مريح ومفيد في الرجوع إلى الذات وإعطائها مساحة أكبر وقدرة في التعبير عنها، إلا أن كل شئ سلاح ذو حدين؛ ففي كتير من الأحيان يتحول الأمر إلى عزلة وقد يتطور الأمر إلى اكتئاب ومشاكل نفسية.
ماذا عن Homesickness أو متلازمة الحنين إلى الوطن، ألم تصِبكِ عند مغادرتك لعائلتك، وكيف تعاملتي معها واستطعتي التغلب عليها ؟
وفق صحيفة "ديلي ميل" قام فريق من الباحثين من جامعة "ماكجيل الكندية" بتحليل بيانات 40 ألف بريطاني في منتصف العمر وكبار السن من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وهو مسح صحي مستمر يتتبع حوالي نصف مليون شخص. وركزت التغييرات المكتشفة في العقل المنعزل على منطقة من الدماغ تُعرف باسم "الشبكة الافتراضية"- والتي كانت مرتبطة ببعضها بعضا بقوة أكبر في الأشخاص الوحيدين. في الأشخاص الوحيدين، تم الحفاظ على بنية هذه الألياف بشكل أفضل.
من الطبيعي الشعور بالحنين والنوستاليجيا في البداية، لكني استخدمت مبدأ النوستاليجيا الاستباقية في التفكير.
هنا سنجد طريقين في البداية إما العودة، أو شق طريق مختلف، فماذا ستختار؟
هنا سنجد طريقين في البداية إما العودة، أو شق طريق مختلف، فماذا ستختار؟
ماذا عن اختيار الطريق الأسهل ؟
سمعت يوماً جملة في فيلم شهير :
Sometimes we choose a difficult path only because ... we feel that to attain important things we need to choose a difficult path ... we think that it's important to punish ourselves ... but why can't we choose a simple path ... what's wrong with that ... especically when we are not ready to face that difficult path
هل تعتقدين أن الشخص يحتاج أحياناً لاختيار الخيار السهل عوضاً عن المغامرة باختيار الصعب؟ وهل إذا اختار العودة والاستسلام لإملاءات نفسه يعتبر جبان ؟ وهل تأجيل الأمر لوقت يكون فيه الشخص أكثر استعداداً هو الخيار الأصح ؟
أحياناً نختار الطريق السهل، خشية المواجهة واكتشاف ما هو جديد، لأن هذا يعتبر بالنسبة للمخ وضع تهديد بالخطر.
أرى أن حين نوضع في مثل مفترق الطريق هذا، يمكننا اختيار أكثر الطرق التي تضمن إيجابيات لنا، وتختلف هذه الإيجابيات من شخص لآخر، فشخص يريد اكتشاف المزيد ليشعر بالحياة في رحم الحياة ويرغب بتحقيق ذاته، وآخر يود أن يكمل حياته في كنف العائلة والشعور بالاستقرار، وأنه يحتاج دائماً إلى دعم نفسي من الآخرين.
الأمر لا يعتمد على أي طريق أصعب، بقدر ما يحمله كل طريق.
عن تجربة شخصية أنا قابع فى هذا الأمر منذ سنوات عديدة لحد هذه اللحظة، ولقد تعودت على أن أفعل أمور كثيرة لوحدى وبالطبع ذلك غير من شخصيتى كثيراً عن قبل، فقد ادركت اشياء مختلفة، وتعرضت لمواقف شتى أعتمدت فيها على نفسى والتصرف بتلقائية، حيث مررت فيها بالأيام الحلوة والمرة، وأيضاً السيئة وأستطيع القول بأنه يمثل حالتين وهما :
- فى الحالة الأولى : إذا كانت فترة قصيرة مثل ثلاث سنوات ،أو خمس سنوات فالأمر سيكون ذو منفعة للشخص فى الأستقلال بذاته، وأخذ المزيد من الخبرات العملية فى الحياة .
- أما فى الحالة الثانية : فأذا كانت فترة كبيرة لسنوات عديدة فسيصبح الشخص تحت ضغط نفسى شديد لأنه من الطبيعى أن يبحث الأنسان على الزواج والأستقرار وتكوين أسرة سعيدة تؤنسه و تملئ عليه كل حياته، وإنما من غير الطبيعى أن يقضى مدة طويلة وحيداً حتى لا يقع فريسة للملل والإحباط الشديد .
إذا كانت فترة قصيرة مثل ثلاث سنوات ،أو خمس سنوات فالأمر سيكون ذو منفعة للشخص فى الأستقلال بذاته
استغربت من وصف الثلاث أو خمس سنوات بالفترة القصيرة، خمس سنوات من حياة الإنسان ليست فترة قصيرة نهائيًا وإنما عمر يجري به. الغربة بصفة عامة مفيدة في تحمل المسئولية الشخصية واكتساب خبرات قد لا نكتسبها طوال حياتنا، وكذلك يمكن تأسيس أسرة في تلك الفترة. يوجد الكثير من الأشخاص يتزوجون في غربتهم ويكونون أسرة متزنة، فالبعد لن يسبب الوحدة إلا وفقًا لبعض الظروف الشخصية والمادية.
لماذا الأستغراب " شيماء محمود " ومتطلبات الزواج أصبحت صعبة للغاية فى مجتمعاتنا، فتكاليف الزواج فى حد ذاتها تثقل كاهل الشباب الذي يريد أن يتزوج ويستقر بالأضافة إلى طلبات أهل العروس التي لا تنتهى، فى حين أن الشاب يكون فى حيرة من أمره نظراً لإنخفاض الأجور فى الشركات والمؤسسات بسبب الوضع الأقتصادى الصعب مما يدفع الكثير من الشباب إلى العزوف عن الزواج حتى تستقر أموره المادية والوظيفية، وهذا يتطلب الكثير من الوقت، وهى ظاهرة أنتشرت بكثرة فى الآونة الأخيرة .
إذًا لا علاقة بين عيش الشاب وحيدًا واغترابه وبين عدم قدرته على الزواج نتيجة ظروف الحياة. فلو كان يعيش مع عائلته لكان سيواجه نفس الظروف بل وأصعب منها ويزداد عزوفه عن الزواج بسبب متطلباته الكثيرة.
نحن نتحدث عن اغتراب شاب وليكن لمدة عشر سنوات أ. أحمد، أليست مدة كافية لتكوين نفسه ماديًا لأجل الزواج؟
بالأضافة إلى طلبات أهل العروس التي لا تنتهى
كل يتزوج وفقًا لظروفه الخاصة وقدراته المادية، ولذا إن طلب أهل العروس ما لا يتحمله الشاب يمكنه البحث مجددًا لحين الوصول لمن يتفهم وضعه ويسانده. أقول هذا بالرغم ما يحدث في بلدي مصر، إذ يتحمل أهل العروس نصف متطلبات الزواج وفقًا للعرف السائد وبالتالي يصبح الزواج همًا على الشاب وعلى والد الفتاة كذلك.
لا بالتأكيد " شيماء محمود " هناك علاقة كبيرة بين اغتراب الشباب والعيش وحيداً، وبين الزواج لأن هناك الكثير من الشباب بنسبة كبيرة جداً هم فقط مغتربين من أجل تحسين مستواهم الوظيفى والمادى، وبالتالى يستطيع الشاب تكوين نفسه مادياً من أجل الزواج، ولكن دعينى أذكرك بأن الأزمة فى سوق العمل نتيجة لأن المعروض من الوظائف أقل بكثير من المطلوب من الشباب، وهذا يحدث بالفعل فى مواقع التوظيف والوظائف نفسها، وأتذكر جيداً أحد زملائى ذهب من أجل وظيفة محاسب حديث التخرج أى بمعنى بدون خبرات، ليتفاجأ بأن عدد المتقدمين على الوظيفة أكثر من 200 شاب، هذا بالأضافة إلى استغلال الشباب فى عمل أكثر من وظيفة فى وقت واحد مقابل أجر مادى زهيد ولا يكفى متطلباته الشخصية هو نفسه، فما بالك بتكاليف الزواج التى تكون أعلى من طاقة الشاب بأضعاف الأضعاف.
أنا أيضا من مصر وكلنا نعلم جيداً بأن الزواج فى مصر هو مجرد بيع وشراء ويتم رفض الشاب وليس من أسرة واحدة وأنما من أسر مصرية كثيرة بسبب متطلبات تفوق قدرة الشباب ولا أريد الدخول فى تفاصيل الأرقام الخيالية للزواج، ونحن هنا نتكلم عن الأسر التى يتناسب وضعها الأجتماعى مع وضع الشاب، أما الأسر الأخرى التى تقبل بأى شئ تكون أقل من مستوى الشاب فى أشياء كثيرة ولا تناسبه.
للأسف لم تأتيني مثل هذه الفرصة، أتمنى لو أنني جربتها في وقت سابق. هناك مقولة أعجبتني للفيلسوف شوبنهاور حول الوحدة:
لا يمكن أن يكون المرء نفسه حقاً إلا متى كان وحيداً، ومن ثم فمن لا يحب الوحدة لا يحب الحرية، لأن المرء لا يكون حراً إلا حين يكون وحيداً.
مع أنني لا أتفق مع هذا الفيلسوف كثيرًا في أفكاره إلا أنني شعرت بأن هذه المقولة صحيحة بالنسبة لي.
الشعور بالوحدة يعني أنني سأكون شخص معتمد على نفسه. أي نعم الان أنا معتمدة على نفسي، لكنني تمنيت لو تعلمت هذا الأمر مبكرًا.
أيضًا العيش وحيدًا يعني أنني سأتعلم كيف أنفق، لن أهدر مصاريفي على أشياء تافهة. فالعيش وحيدين يعني أننا حريصين على عدم الاسراف والتبذير.
وربما سأتعلم مهارة الطبخ بشكل أفضل، سمعت الكثير من الطلاب تعلموا مهارة الطبخ من وراء وحدتهم والعيش في بلاد الغربة. العيش وحيدًا يعني أنني سأكون شخص أكثر عقلانية، ينظر للأمور من منظور واسع. لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك مساويء للعيش وحيدًا مثل البعد عن الأهل وخاصًة عندما يواجهون ظروف صعبة.
كما أن للعيش وحيدًا مزاياه فكذلك له عيوبه، وليس فقط البعد عن الأهل وإنما البعد عن البيئة كاملة. التخبط في أماكن جديدة لا نعلمها، تعلم ثقافات أخرى ومحاولة أخذ منها ما ينفعنا فقط، عدم القدرة على الحضور في أغلب المناسبات العائلية الهامة واجتماعات الأصدقاء القدامى. والمشكلة الأكبر عند حدوث فجوة بينك وبين أصدقائك الذين اعتدت عليهم وكذلك بعض الأقارب، حينها يشعر الإنسان أن غربته لم تكن بالمنفعة التي تصورها.
لست وحدي ولكنني اتحمل مسؤولية مضاعفة وذلك بسبب سفر زوجتي لاسباب خاصة، فلقد بدات شهر رمضان مع الاولاد مطلوب مني ان اذهب للدوام صباحا ثم اقوم بعده بشراء حاجيات البيت لادخل في المطبخ مع بناتي لنقوم بتحضير طعام الافطار حيث نصوم جميعنا باستثناء ابني الصغير6 سنوات.
ما بين العصر والمغرب نقوم باعداد الطعام وتنظيف البيت وتوزيع الجدول وهكذا ..
نعم لقد كنت متخوف من التجربة وخاصة طقوس شهر رمضان ولكن سرعان ما تكيفت مع الامر ووضعت جدول اسبوعي لنوع الأكلات ثم تم استغلال التطور التقني بالاتصال مباشرة مع زوجتي بالفيديو لتقوم بمساعدتنا في بعض الأمور اللوجستية .
لقد تعلمنا الكثير وشخصيا استفيد كل يوم من التجربة على كافة الاصعدة والحمد لله رب العالمين
لم يحصل لي هذا، فدراستي وعملي في نفس المدينة التي تقطن فيها عائلتي. لكنني أجد خوض التجربة مهم وله مزايا عديدة على تطوير شخصية الفرد، فهو يربي حس المسؤولية، يجعلك تتعلم أشياء جديدة في الحياة كنت تعتمد فيها على أهلك فتضطر الآن لمعرفتها، يعرفك على نفسك ومواطن قوتك وضعفك أكثر، يجعل أكثر جرأة وشجاعة.
دائما أجد الأشخاص من حولي الذين عاشوا لوحدهم فترات عديدة أكثر نضجا وثباتا في الحياة.
أظنك نعمت بفرصة لا تعوض لتطوير نفسك.
التعليقات