من نحن نتاج، قراراتنا أم بيئاتنا؟ - فيلم coherence

القصة التي طرحتها مثيرة وتستحضر فكرة معقدة حول تأثير البيئة على قراراتنا وتشكيل هويتنا. في الفيلم، رغبة إيم في التخلص من نسختها البديلة هي رمزية قوية لرغبة الإنسان في التحرر من القيود التي قد تكون فرضتها عليه بيئته وظروفه. إيم لا تريد أن تكون مجرد نتيجة لهذه الظروف، بل ترغب في أن تكون قادرة على إعادة تشكيل نفسها بحرية في عالم جديد.

هذه الفكرة تُلقي الضوء على سؤال فلسفي عميق:

إلى أي مدى تشكل بيئتنا حياتنا وقراراتنا؟ وهل لدينا حقًا الحرية الكاملة في اختيار مساراتنا؟

تأثير البيئة على قراراتنا:

البيئة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل سلوكنا وشخصياتنا. منذ الولادة، نكون محاطين بمجموعة من القيم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على كيفية تفكيرنا واتخاذنا للقرارات. مثل نيلسون مانديلا، الذي نشأ في جنوب إفريقيا تحت نظام الفصل العنصري، قد يجد الفرد نفسه مجبرًا على اتخاذ قرارات معينة نتيجة للضغوط والظروف التي يعيش فيها.

البيئة ليست فقط البيئة الخارجية، بل تشمل أيضًا العلاقات الشخصية والتجارب الماضية وحتى الجينات. هذه العوامل كلها قد تؤثر على نوع القرارات التي نعتقد أننا نختارها بحرية، لكنها قد تكون في الواقع مقيدة أو موجهة بطريقة ما.

الحرية والاختيار الواعي:

رغم تأثير البيئة الهائل، هناك دائمًا مساحة للاختيار الواعي. مانديلا مثلاً قرر المقاومة السلمية على الرغم من أن البيئة المحيطة كانت تدفع نحو العنف. هنا يظهر الفرق بين الخضوع الكامل لتأثير البيئة وبين القدرة على الاستفادة من الفرص الصغيرة لاتخاذ خيارات تختلف عن التوقعات.

في العالم الواقعي، ليس دائمًا من السهل تمييز مدى تأثير البيئة على قراراتنا. كثيرًا ما نظن أننا نختار بحرية، لكن في الحقيقة نكون محكومين بتلك القوى غير المرئية التي تحدد إطار الخيارات المتاحة أمامنا.

هل نستطيع الهروب من تأثير بيئتنا؟

كما في حالة إيم، هناك رغبة في الهروب من تأثير البيئة القديمة والبحث عن "عالم جديد" به إمكانيات جديدة وفرص أكثر حرية. لكن، حتى لو استطعنا الانتقال إلى بيئة جديدة، فالسؤال يبقى: هل سنكون فعلاً أحرارًا في تشكيل هوياتنا من جديد، أم أننا سنظل نحمل جزءًا من تأثيرات العالم القديم؟

التجربة تشير إلى أن الهروب الكامل من تأثير البيئة أمر معقد وصعب. الإنسان بطبيعته يظل متأثرًا بماضيه، ولكن بالتوازي مع ذلك يمكنه إيجاد فرص لتغيير مساره الشخصي من خلال التوعية والإدراك لمحفزات البيئة التي تؤثر عليه.

الوعي بالبيئة وتأثيرها:

من أجل الحصول على حرية أكبر في اتخاذ القرارات، يمكننا السعي نحو فهم تأثيرات بيئتنا وكيف تشكل تفكيرنا. من خلال هذا الوعي، نستطيع أن نحدد متى نتخذ قراراتنا بناءً على رغباتنا الحقيقية ومتى نكون تحت تأثير ضغوط خارجية. الأمر لا يتعلق فقط بإلغاء تأثير البيئة، بل بتحديد متى نختار بشكل مستقل ومتى نكون مجرد رد فعل لما يحدث حولنا.

إجمالاً، القصة التي طرحتها عن إيم تقدم رؤية عميقة حول الصراع بين الحرية البيئية والفردية. بينما يظل الإنسان مقيدًا بعالمه، فإن البحث عن "عالم جديد" قد يمثل حلمًا بالتحرر من تلك القيود، لكن هذا التحرر ليس دائمًا ممكنًا بشكل كامل. الأفكار التي نعتبرها نتاج قراراتنا الواعية قد تكون في كثير من الأحيان متأثرة بعوامل غير مرئية حولنا، والوعي بهذا الأمر قد يكون خطوة نحو الاستقلالية الفعلية.

من فضلك شاهد مساهمتي على

لكن حتى لو اختار الإنسان بيئة جديدة أو حياة مختلفة، هل هذا يعني أنه سينجح في التخلص من تأثيرات ماضيه وبيئته السابقة؟

بالنسبة لي، البيئة تؤثر بشكل كبير صحيح، ولكن تبقى إرادة الإنسان هي الحاسمة. حتى في الظروف التي تبدو قاسية أو ظالمة، يمكن للإنسان أن يختار كيف يرد أو يتفاعل مع بيئته. مثلما ذكرت في حياة نيلسون مانديلا، رغم أن البيئة كانت تقيد خياراته، إلا أنه اختار ما يتناسب مع قناعاته الواعية.

هل نحن مثل المواشي أم خلقنا الله بعقل واعٍ يمكننا من فهم ما نفعل وما لا نفعل، وما هو الخطأ والصواب؟ إذا تركنا العقل جانباً وتوجهنا نحو اتباع سياسة القطيع بدون تفكير، فنحن نخلق لأنفسنا حجة بأن المجتمع هو ما جعلنا ما نحن عليه. ولكن هذا ليس صحيحاً تماماً، لأننا نتحمل جزءاً من المسؤولية بسبب تأثيرات المجتمع، ولكن اتخاذ القرارات يظل بيدنا. هنا يكمن دور العقل والتفكير الشخصي.

قرأت في مرة عبارة تقول أما أن تبحر برغبتك أو ستأخذك الأمواج إلى أي وجهة وربما لن ترتاح بها، وبنفس الطريقة أرى الحياة، أما أن نفرض السيطرة ونتصرف بوعي أو ستأخذنا هي إلى حيث لا نريد.

ولذلك نرى أن معظم الناجحين كانت لهم سلطة وانضباط وسيطرة على أنفسهم وهنا تميزوا وبرزوا أما من يترك نفسه للحياة فهنا وكأنه يراهن بعمره أما أن تأخذه الحياة لطريق مريح أو لطريق به شقاء وتعب.

الاثنين معًا، بمعنى هناك ظروف بالتأكيد وتؤثر، لكن طريقة مواجهتي لها تعبر عن قراري الواعي.

طبيعة كل شخص تختلف في إجابة هذا السؤال فليس كل الناس نيلسون مانديلا بالضرورة ، ولكن أغلب العموم الذي ربما أكون انا منهم نرى أن التغيير الذي يؤثر يعتمد بشكل أساسي على الظروف المحيطة ، فأنت لن تلوم طفلة مثلاً نشأت في بيئة يكون فيها والداها قواد مثلاً إنها أصبحت عاهرة تمارس ذلك كمهنة ، أو لن تنكر أن طفل تربي على يد ثري رجل أعمال أنه أصبح فيما بعد امتداد لنفس مؤسسة والده ويطورها للأفضل ، وبالطبع إذا أحضرت شاب بسيط في بيئة متواضعة فقيرة و وفرت له بيئة مختلفة لكي يبدع ويفكر ويطور من نفسه وقدراته ستجد أن هذا الشاب قادراً على إبهارك بالنتائج التي يحققها لما وفرت له من بيئة (داعمة) والعكس بالعكس ، ولترى المثل الشهير في رواية (سيدتي الجميلة) في كل معالجتها كيف أنه يمكن تغيير أنسان بالكامل للأفضل إن قمت فقط بتهيئة الظروف والمناخ المناسب للتغيير .... تلك ببساطة هي القاعدة.