جميعنا مر على سمعه مقولة الزمن الجميل والفن الجميل، لكن قليل منّا من يتسائل عن أبعاد هذا الجمال، أوتمثُّلاته في تلك الفترة.

يمكننا تقسيم جماليات تلك الفترة إلى:

1.جماليّات ذاتيّة: وهي تلك التي تتعلق بمضمون الفيلم ورسالته أو ما يسميه البعض أخلاقيّات الفيلم.

2.جماليّات بيئيّة (خارجيّة): وهي تلك التي تتمثل في التغيرات الكميّة والنوعيّة بين حقبتي الماضي والحاضر.

لكن أي من هذه الجماليّات حريٌّ بنا أن نسلّط الضوء عليه؟

برأيي إنها الجماليّات الخارجيّة. فعلى عكس الشائع لدى بعضنا؛ لم تكن السينما في بداياتها مصنوعة لتربي المجتمع أو لتغذيه بالقيم الإيجابيّة، بل كان الأمر منحصرًا في نقل صورة رمزيّة مكتوبة إلى صورة رمزيّة متحركة. وعلى هذا الأساس يمكننا تفهُّم واحد من أسباب نشئة السينما صامتة، وبقائها فترةً على هذا الصمت.

نعم القيمة الأخلاقيّة في الأفلام اليوم -خاصةً في دولة كمصر- ليست كالسابق ولكن مع ذلك لم يكن الماضي بذلك الجمال الذي يتمنى البعض العودة عليه.

ولنلخص الأمر يمكننا التساؤل: هل حقا مطلوب من السينما أو الفن بشكل عام تقديم قيمة أخلاقيّة (محتوى هادف) أم أننا نحن الذين نصنع هذه القيمة كمشاهدين، بعد اطلاعنا على الصور الرمزيَة المعروضة في الفيلم؟

ولننتقل الآن إلى الجمال المرتبط بهذا الزمن خارج دور العرض. ذلك الزمن الذي لم يكن متاحًا للمرء فيه أن يشاهِد بضغطة زرٍّ واحدة هذا الكم الهائل من الأعمال السينمائيّة؛ بل كان الأمر أشبه بانتظار الأطفال للعيد.

لذلك؛ كان لزامًا على محب الأعمال السينيمائيّة بذلُ المال والوقت والانتقال من مكان إلى مكان، فقط ليشاهد فيلما أو ليستمتع بساعتين من الجلوس جوار حبيبه.

ربما يمكننا عزو اختلاف النظرات الزمنيّة للسينما إلى عامل آخرهو الوفرة. الوفرة في الأفلام وفي الممثلين وفي الحبكات وفي كل شيء.

هذه الوفرة التي جعلت من السينما مَشربا لكل الأذواق والأعمار بل والأيدولوجيات؛ إن لم تكن مَصنعًا لهم بالأساس.

يزعم البعض أن السينما كغيرها من السلع الاستهلاكية التي لا تتطور إلا بسبب ما تُدرّه من منافع، سواء كانت ماديّة أو معنويّة. مشيرين أن اعتبار السينما الفن السابع أو إعطائها قيمة جماليّة ليس سوى محاولة بائسة من عقولنا البشريّة لعقلنة وسيلة من وسائل المرح.

ومع أحقيّة هذا السبب في الذكر، إلا أنه يظل واحدا من عدة عوامل أدت لهذا التطور. أعني إن كان الأمر كذلك، فماذا عن المعدّات والسيناريو وطبيعة العمل السينمائيّ من مشاهد وممثلين وملابس، إلى جانب الأداء التمثيلي مع كيفيّة تجميع المشاهد وإخراجها؟

الآن ومع ترسخ اعتمادنا على منصات الأفلام الإلكترونيّة، وعدم قدرتنا على إيجاد آلة للعودة بالزمان، هل ترى أن نتعايش مع الوضع، أم نحاول محاكاة الوضع القديم لملامسة جماليّاته التي غابت عنّا اليوم؟

بالطبع ما زالت دور العرض السينيمائيّة تستقبل جماهيرها إلى اليوم، ولا زال الإقبال عليها معقولًا، لكن هل الحالة الذهنيّة القديمة لمتابع السينما ما زالت حاضرة اليوم؟ هل نستطيع القول أن مفهوم السينما لدينا نحن جيل Z ما زال مفهومًا؟ لا أظن ذلك.